وقد بين سبحانه في تأكيد عدم فوزهم أنهم يحسبون بريق الحياة ومتاعها هو المتاع ، وبين الله تعالى أن متاعها قليل ؛ لأنه في ذاته قليل وزمانه ومتاع الآخرة هو الأبقى ومن طلب متاع الدنيا بغير الحق فالآخرة تكون له عذابا أليما ؛ ولذا قال تعالت كلماته:{ متاع قليل ولهم عذاب أليم ( 117 )} .
التنكير في{ متاع} يدل على قلته في ذاته وقلته في زمانه وهو بجوار الكذب الذي يكذبونه لا يعد متاعا ؛ لأن المتاع ما يقوم على متاع النفس ، والنفس الكذوب تكون في اضطراب مستمر ولا تملك نفسها كما لا تنضبط في ذاتها ، ودأبها على الكذب يؤدى إلى ضلال الفكر فيها حتى يصيبها خوف الكذب وفساده .
{ ولهم عذاب أليم} بعد هذا المتاع الضئيل وهو عذاب دائم ليس له وقت محدود بحدود الله ، وما من قارئ يقرأ هذه الهداية إلا امتنع عن الهجوم بقوله حلال وحرام إلا إذا كان النص على التحريم من قرآن أو أحاديث النبوة ، ولقد كان إبراهيم النخعي ، وهو من أئمة فقه الرأي كان إذا وصل برأيه إلى حكم يفيد التحريم لا يقول:حرام ، ولكن يقوله أكره ، وإذا وصل بقياسه إلى حكم يفيد الحل قل ليس من بأس ، أو استحسن هذا متحرجا أن يقول حراما أو حلالا لكي لا يكون ممن دخلوا في حكم هذه الآية .
وقال ابن العربي:"كره مالك وقوم أن يقول المفتى:هذا حلال ، وهذا حرام في المسائل الاجتهادية ، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا"،
وقد رأينا في هذا الزمان من يقول في أمور هي حرام بالنص إنها حلال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .