بين الله ما أحل وما حرم ، ثم حرم الله تعالى على اليهود بعض أمور ، وكان التحريم خاصا بهم دون غيرهم فطما لنفوسهم الشهوانية الظالمة ، وقد أشار سبحانه إلى هذه المحرمات في قوله تعالى:
{ وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 118 )} .
وقوله تعالى:{ ما قصصنا عليك من قبل} ، أي ما أخبرناك بتحريمه من قبل ، وهذا يدل على أنه هذه الآية في سورة النحل متأخرة عن التحريم على اليهود في سورة الأنعام ، وذلك النص في سورة الأنعام:
{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ( 146 )} [ الأنعام] .
وفي هذه الآية التي سبقت في سورة الأنعام ذكر سبحانه أن ذلك كان فطما لأهوائهم وشهواتهم وبغيهم ، فكان التحريم تأديبا لهذه النفوس أو تقوية لإرادتهم ومنعا لأهوائهم وشهواتهم ؛ ولذا قال في الآية الكريمة التي نتولى ذكر معانيها الحكيمة{ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} ، أي وما ظلمنا بذلك المنع الجزئي ، بل هم الذين بغوا ، وأكثروا فيها الفساد ، وأدى ذلك إلى ظلمهم ؛ ولذا قال تعالى:{ ولكم كان أنفسهم يظلمون} ، الاستدراك هنا لتأكيد نفي الظلم ، وإثبات الظلم عليهم هم ، وتقديم{ أنفسهم} على{ يظلمون} للدلالة على الاختصاص ، أي لا يظلمون أحدا غير أنفسهم .