كان لا بد أن يخرج من بينهم نبي الله تعالى عليه السلام فهو لا يريد أن يبقى محكوما بالوثنية وأرجاسها ، ولذا قال كما أخبر الله تعالى عنه:
{ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا 48} .
"الواو"عاطفة والمعطوف عليه{ سأستغفر لك ربي} ، أي إني أخرج عنكم سالما مستغفرا غير هاجر كما أردت ، وفي الوقت أسألكم ،{ وأعتزلكم} ، أي أفارقكم مفارقة مواد محب ولست هاجر لكم ولا مجافيا ،{ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله} ، أي تعبدون ، أعتزلكم وعبادتكم المشركة الآثمة لاجئا إلى الله تعالى ، ولذا قال:{ وأدعو ربي} ، أي أعبده لأنه ربي الذي خلقني القائم على كل أموري .
وإطلاق الدعاء بمعنى العبادة ، لأنه التجأ إلى الله تعالى ، وهي ضراعة إليه ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الدعاء مخ العبادة ){[1475]} ، وقد ذكر التصريح بالعبادة بعد ذلك في قوله تعالى:{ فلما اعتزلتم وما يعبدون من دون الله}{ عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا} ، أي خائبا ضائعا غير مقبول في دعائي وعبادتي ، فإن ذلك هو الشقاء الأكبر ، وهذا الرجاء كان لفرط إخلاصه لله تعالى ، وخشيته من غضبه وطرده ، فإن الحبيب دائما يخشى من غضب محبوبه ، ويعمل على رضاه ويخشى من غضبه ، وخليل الله الذي اختاره الله تعالى خليلا ، وقال:{. . .واتخذ الله إبراهيم خليلا 125} ( النساء ) ، كان أشد ما يخشاه غضب ربه ، وأن يرد عبادته فيشفى بهذا الرد ، وقال:{ عسى} الدالة على الرجاء تواضعا لله واستصغارا لعبادته ، وكان بهذا المخلص البر الحبيب المحبوب ، إذ غلب الخوف ليصلح أمره وأنه إذ اعتزلهم حرم من أنس أهله ، فوهبه البنين والذرية ، ولذل قال تعالى:
{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا 49} .