وإنه إذ يعلن هذا النفور الجافي يعلن الابن البار الذي هو مثل سام كريم للأبناء يقول كما قال الله تعالى عنه:
{ سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا 47} .
هو يقابل الإساءة الحسنة ، ويعذر أباه في إساءته ، لأنه في ضلال بعيد وإفك أثيم قد استغرق نفسه وأعمى بصيرته ، وأصابه بغشاوة على قلبه{ سلام عليك} ، معناه أمن يفيض عليك وهو تحية له وهو يفارقه ويريد له السلامة في غيبته ، وأن يكون في أمن ، فهو يفارقه على مودة ، وإن كان يقول مقالة القطيعة ، وقد قال بعض المفسرين أن ذلك من قبيل قوله تعالى:{. . .وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما 63} ( الفرقان ) .
وربما نرى نحن أن سياق الآية لا يدل على الابتعاد عنه ، وليس كقوله تعالى:{ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين 55} ( القصص ) ، لا نرى ذلك لأن لا ينسجم مع وعده باستغفار الله تعالى له ، كما قال:{ سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا} .
وقد قال الزمخشري:إن استغفار إبراهيم لأبيه كان مشروطا فيه التوبة ، ونحن نرى أن سياق الآية لا يدل على اشتراط التوبة بل هو استغفار لمشرك ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113 وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم 114} ( التوبة ) .
وهذا النص{ سأستغفر لك ربي} ، هو الموعدة التي وعد إبراهيم أباه بها ، وقوله تعالى:{ سأستغفر} السين لتأكيد الاستغفار في المستقبل ،{ إنه كان بي حفيا} الضمير يعود إلى{ ربي} الذي يكون في موضع عناية واستجابة لي ، فمعنى{ إنه كان بي حفيا} ، أي كنت موضع رحمته وبره ، وأنه لهذا يظن أنه سيجيب دعائي ، ولكن تبين له من بعد أنه عدو لله فتبرّأ منه .