أجاب أبوه إجابة المحنق المغيظ لمحاولته ترك عبادة الأوثان وملته وملة آبائه ، فقال كما قال تعالى عنه:
{ قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا 46} .
{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} ، هذا استفهام إنكاري توبيخي من ذلك الأب المخبط وكان موضوع التوبيخ هو انصرافه عن آلهته وبعد عنها ، وكأنه يجب أن يكون مثله منغمرا في ضلال ، وهو بذلك يضرب صفحا عن كل ما قاله ، ويقول بلسان الحال:سمعنا وعصينا وينقلب عليه بالتوبيخ عن تركه له ولملة آبائه المشركين ، وقد أكد التوبيخ بالتأكيد بالضمير بقول:{ أنت} وفي ذلك تأكيد التوبيخ استصغارا لشأنه ، وما كان صغيرا ، بل كان الكبير بإدراكه وبدعوته إلى الوحدانية ، وهو يستنكر أن يرغب عن آلهته ، ولم يتعرض لما يدعو إليه ويرغب فيه ، وكأنه معرض عنه وعن أدلته وآياته .
وقد أعقب التوبيخ بالتهديد ، والإنذار الشديد ، في عبارة فيها معنى القسم والتأكيد بمؤكداته{ لئن لم تنته لأرجمنك} الرجم:الرمي بالرجام والحجارة واللام هي الموطئة للقسم واللام في{ لأرجمنك} اللام التي تكون في جواب القسم ، وقد أكد بنون التوكيد الثقيلة وهو تهديد بالقتل بأقسى أنواعه ، فهو الضرب بالحجارة حتى يموت إن لم ينته عن هذه الدعوة التي أصابت إيمانه بالأوثان فخيبت رجاءه فيه ، وإن كان أمرا غير محمود في نظره المنحرف الضال .
هذا إيعاد إن عاد ، ثم حسم الأمر بقوله:{ واهجرني مليا} وقد تضمن التهديد التحذير ، كأنه قال له فاحذرني ولذا عطف على الفعل الذي تضمّنه التهديد بالرجم واهجرني مليا ، فهي عطف على الفعل الذي تضمنه التهديد بالرجم .
{ مليا} ، أي ملاوة من الزمن الطويل ، ويدعوه أبوه إلى أن يهجره هجرا غير جميل ، ولا يهتم بأمره ولا يجالسه ولا يقاربه ، وهذه مبالغة في الاستنكار ، وقد صم أذنيه عن الحق ولا يريد أن يسمعه .