إنكار الإنسان للبعث
الإنسان ينظر دائما إلى حاضره ولا ينظر إلى قابله ، وينكر القابل إذا لم يتفق مع حاضره إلا أن يكون ممن هداهم الله وآمنوا بالغيب إيمانهم بالشاهد ، ولم يحصروا علمهم في المحسوس لا يخرجون عنه ، وقد قال تعالى:
{ ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا 66} .
الإنسان المأسور بالحسّ الذي لا ينفذ عقله إلى ما وراء الحس من غيب ستره الله تعالى ، ولا يؤمن به إلا بنقل صادق ، وعلى ذلك يكون المراد بعض الإنسان لا كل آحاده ، وعبر عن هذا البعض باسم الكل ، لأن ما يقوله بعضهم مساير لإحساس الكثيرين منهم ، أو لحال الإنسان قبل أن يجيئه النقل القاطع الجازم ، ولأنه مشتق من طبيعة الإنسان المأسور بالحاضر المحسوس ، لا القابل المغيب .
وبعضهم يقول:إن الجنس هو المتحدث عنه ، فجنس الإنسان يدرك الحس وحده ، إلا من رحم بك .
ويقول تعالى:{ ويقول الإنسان} عبر المضارع للإشارة إلى تكراره ، وأنه يذكره مرارا ، وللإشارة إلى صورة قوله المتكرر{ أئذا ما متّ لسوف أخرج حيا} الاستفهام في ظاهر اللفظ ومدلوله داخل على{ لسوف أخرج حيّا} وتركيب القول ، ولكلام الله تعالى المثل الأعلى . لسوف أخرج حيّا إذا ما مت ، وتأخرت{ لسوف} على "إذا"لأمرين:
الأمر الأول:أن الاستفهام له الصدارة .
الأمر الثاني:أن موضع الإنكار ليس هو الإخراج إنما هو أن يكون بعد الموت وأن يصير رميما ، كقوله تعالى:{. . .من يحيى العظام وهي رميم 78 قال يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم 79} ( يس ) .
والمعنى على هذا التخريج:أحقا مؤكدا سوف يخرج حيا مجتمع الأجزاء غير مفرق ، و"اللام"لتأكيد الخروج ، وسوف لتأكيد الوقوع في المستقبل