ولكن موسى كليم الله لم يرعه ذلك الكلام الباطل ، ولم يهتز له ، بل استمر في بيان بطلان ألوهية فرعون ، فقال أن ربه رب الكون:{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أي أن أقصى سلطان فرعون أن يكون في مصر ، ومصر ليست إلا جزءا من الأرض ، والرب الخالق يكون رب الجميع من سكان الأرض ، والسموات ، والشرق والغرب ، فهل تستطيع أن تدعي هذا ؟ بل إنك لا يمكن أن تتطاول إلا على أهل مصر ، الذين تعودوا الخنوع لحكامهم في ماضيهم وحاضرهم ، فقول موسى عليه السلام لطاغوت مصر عن رب العالمين{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} إبطال واضح لألوهية فرعون المدعاة ، وقد التفت موسى إلى من حوله الذين ينادون بألوهيته فقال محرضا لهم على التفكير بعقولهم ، فقال:{ إن كنتم تعقلون} أي إن كنتم ذوي عقل تعقلون ، وتعلمون أن الألوهية ليست أجزاء مجزأة ، إنما هي سلطان على الوجود كله .
عندئذ أيقن فرعون أنه ينكر ألوهيته ، وأنه يحرض من حوله على إنكارها ، ويدعوهم إلى إعلان بطلانها ، هذا وفي ذكر المشرق والمغرب بيان لقدرة الله تعالى الباهرة ، وتنبيه ما يشاهدونه كل يوم من شروق الشمس وغروبها ، في المغرب ، والشمس بذلك تنتقل في مدراتها ، فهل فرعون يفعل هذا ، إنه ليس برب ، ولا بإله .