قوله تعالى:( إذ قال الحوارين يعيسى ابن مريم ) ما تقدم من الأعراب ( هل يستطيع ربك ) ( أن ينزل ) يستطيع بمعنى يطيع ، كما قالوا:استجاب بمعنى أجاب وكذلك استطاع بمعنى أطاع وقيل المعنى هل يقدر ربك ، وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل ولهذا قال عيسى في الجواب عن غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز:( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي لا تشكو في قدرة الله تعالى .
وهذا فيه نظر لأن الحواريين خلصان الأنبياء ودخلاءهم وأنصارهم كما قال:( من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ) ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بمعرفة الله تعالى وما يجب له وما يجوزو ما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم فكيف يخفى ذلك على من باطنهم واختص بهم حتى يجهلوا قدرة الله تعالى ؟ إلا أنه يجوز أنه يقال:إن ذلك صدر ممن كان معهم ، كما قال بعض جهال الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم:اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط{[998]} وقيل:عن القوم لم يشكوا في استطاعة البارئ سبحانه لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين ، وإنما هو كقولك للرجل ، هل يستطيع فلان أن ياتي وقد علمت أنه يستطيع فالمعنى هل يفعل ذلك ؟ وهل يجيبني إلى ذلك أم لا ؟ وقد كانوا عالمين باستطاعة الله تعالى لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك كما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم (. . .رب أريني كيف تحيي الموتى . . .260 ) ( البقرة ) على ما تقدم وقد كان إبراهيم علم بذلك علم خبر ونظر ، ولكن أراد المعاينة التي لا يخلها ريب ولا شبهة ، لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك ولذلك قال الحواريون:( ولا تطمئن قلوبنا ) كما قال إبراهيم:(. . .ولكن ليطمئن قلبي . .260 ) ( البقرة ) .
( قال اتقوا الله ) أي اتقوا مغاضبة وكثرة السؤال فإنكم لا تدرون ما يحل بكم عند اقتراح الآيات إذ كان الله عز وجل إنما يفعل الأصلح لعباده . ( إن كنتم مؤمنين ) أي ان كنتم مؤمنين به وبما جئت به ، فقد جاءكم من الآيات ما فيه غنى .