هذا شأن الذين آمنوا عندما تتلى عليهم آيات الله . وأما الذين في قلوبهم مرض فيقول الله عز من قائل فيهم:{ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون 125} .
الرجس هو الشيء القذر الذي تستقذره النفوس وتعافه ، كالميتة ولحم الخنزير ، والخمر ، فإن النفس ، وإن لا تعافها طبعا ، فإن العقول تعافها؛ لأنها تنزل مشاربها من مرتبة العاقلين المدركين إلى دركة من لا يعقل ، ولذلك سماها الله تعالى رجسا ، في قوله تعالى:{. . . .إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون90}( المائدة ) ويطلق الرجس مجازا على الكفر ، لأن العقول السليمة تدرك أن عبادة غير الله أمر لا تقره العقول السليمة ولا الطبائع المستقيمة ، والمراد به هنا الكفر ، لأن العقول تنفر منه ، ولا تقره ، وكيف تقر العقول رجلا يصنع حجرا ويعبده ، وكيف تقر العقول رجلا يرى آيات الله البينات ثم ، يكفر بها .
والذين في قلوبهم مرض هم المنافقون ، وقد قال تعالى فيهم:{ في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا} . وإن ذلك وصف حكيم ، فإن النفاق مرض يصيب القلوب ، فيفسدها ، والعقول فيمنعها من الإدراك السليم ، ذلك أن المنافق منحرف التفكير دائما ، لا يرى الأمور كما يراها السليم ، بل إنه غير مستقر ، وتوالي نفاقه يفقده الإيمان بالحقائق ، وبفقده الإدراك السليم ، وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن المنافق لا ينافق لغرض من المال أو دنيا يصيبها ، ولكن يضعف عن النطق بالحق ، ولعله يبتدئ نفاقه بشيء من الغرض ، ولكن يتوالى نفاقه ليصير مرضا ، فينافق لغير غاية .
وإن السورة أو الآيات التي تنزل تزيد المنافقين كفرا إلى كفرهم ، أي كفرا مضموما إلى كفرهم الأصيل وإنما زادتهم كفرا ، لأنهم يعاندون الحق ، والمعاند تزيده قوة الدليل عنادا ، لقد انحازوا إلى جانب الباطل ، فكلما زاده الدليل في الحق زاد لجاجة في الباطل فزاد كفرا ولا احتمال لتوبته وعودته إلى الحق ، ولذا قال تعالى:{ وماتوا وهم كافرون} أي استمروا معاندين للباطل ، حتى حال موتهم ، فيموتون وهم كافرون ، وعبر بالماضي لتأكيد هذه الحال التي يموتون عليها ، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء .