قصد باسم الإشارة زيادة تمييزهم فضحاً لسوء حالهم مع ما ينبه إليه اسم الإشارة في مثل هذا المقام من أن استحقاقَهم ما يخبَر به عنهم ناشىءٌ عما تقدم اسم الإشارة كما في{ أولئك على هدى من ربّهم} في سورة البقرة ( 5 ) .
وعُزز ما نُبه عليه باسم الإشارة فأعقب باسم الموصول وصلته لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الخبر .
وجيء بلام الاختصاص للإشارة إلى أنهم في حالتهم هذه قد هُيِّىء لهم سوء العذاب .والظاهر أن المراد به عذاب الدنيا وهو عذاب السيف وخزي الغلب يوم بدر وما بعده بقرينة عطف:{ وهم في الآخرة هم الأخسرون} .
ففي الآية إشارة إلى جزاءين: جزاء في الدنيا معدود لهم يستحقونه بكفرهم ،فهم ما داموا كافرين متهيئون للوقوع في ذلك العذاب إن جاء إبانه وهم على الكفر .
وجزاءٍ في الآخرة يَنَال من صار إلى الآخرة وهو كافر ،وهذا المصير يسمى بالموافاة عند الأشعري .
ولكون نوال العذاب الأول إياهم قابلاً للتفصّي منه بالإيمان قبيل حلوله بهم جيء في جانبه بلام الاختصاص المفيدة كونه مهيَّأ تهيئة ،أما أصالة جزاء الآخرة إياهم فلا مندوحة لهم عنه إن جاؤوا يوم القيامة بكفرهم .
فالضمائر في قوله{ لهم} وقوله:{ وهم في الآخرة هم} عائدة إلى{ الذين لا يؤمنون بالآخرة}[ النمل: 4] بمراعاة ذلك العنوان الذي أفادته الصلة فلا دلالة في الضمير على أشخاص مُعَيّنين ولكن على موصوفين بمضمون الصلة فمن تنقشع عنه الضلالة ويثوبُ إلى الإيمان يبرأ من هذا الحكم .وصيغ الخبر عنهم بالخسران في صيغة الجملة الاسمية وقرن بضمير الفصل للدلالة على ثبات مضمون الجملة وعلى انحصار مضمونها فيهم كما تقدم في قوله:{ وهم بالآخرة هم يوقنون}[ النمل: 3] .
وجاء المسند اسم تفضيل للدلالة على أنهم أوحدون في الخسران لا يشبهه خسرانُ غيرهم ،لأن الخسران في الآخرة متفاوت المقدار والمدة وأعظمه فيهما خسران المشركين .