ظاهر النظم أن الرجل جاء على حين محاورة القبطي مع موسى فلذلك انطوى أمر محاورتهما إذ حدث في خلاله ما هو أهم منه وأجدى في القصة .
والظاهر أن أقصى المدينة هو ناحية قصور فرعون وقومه فإن عادة الملوك السكنى في أطراف المدن توقياً من الثورات والغارات لتكون مساكنهم أسعد بخروجهم عند الخوف .وقد قيل: الأطراف منازل الأشراف .وأما قول أبي تمام:
كانت هي الوسط المحمي فاتصلت *** بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
فذلك معنى آخر راجع إلى انتقاص العمران كقوله تعالى{ يقولون إن بيوتنا عورة} ( الأحزاب: 13 .
وبهذا يظهر وجه ذكر المكان الذي جاء منه الرجل وأن الرجل كان يعرف موسى .
و{ الملأ}: الجماعة أولو الشأن ،وتقدم عند قوله تعالى{ قال الملأ من قومه} أي نوح في[ الأعراف: 60] ،وأراد بهم أهل دولة فرعون: فالمعنى: أن أولي الأمر يأتمرون بك ،أي يتشاورون في قتلك .وهذا يقتضي أن القضية رفعت إلى فرعون وفي سفر الخروج في الإصحاح الثاني: « فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يُقتل موسى » .ولما علم هذا الرجل بذلك أسرع بالخبر لموسى لأنه كان معجباً بموسى واستقامته .وقد قيل: كان هذا الرجل من بني إسرائيل .وقيل: كان من القبط ولكنه كان مؤمناً يكتم إيمانه ،لعل الله ألهمه معرفة فساد الشرك بسلامة فطرته وهيأه لإنقاذ موسى من يد فرعون .
والسعي: السير السريع ،وقد تقدم عند قوله{ فإذا هي حية تسعى} في سورة[ طه: 20] .وتقدم بيان حقيقته ومجازه في قوله{ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} في سورة[ الإسراء: 19] .وجملة{ يسعى} في موضع الحال من{ رجل} الموصوف بأنه من{ أقصى المدينة} .و{ يأتمرون بك} يتشاورون .وضمن معنى ( يهمون ) فعدي بالباء فكأنه قيل: يأتمرون ويهمّون بقتلك .
وأصل الائتمار: قبول أمر الآمر فهو مطاوع أمره ،قال امرؤ القيس:
ويعدو على المرء ما يأتمر
أي يضره ما يطيع فيه أمر نفسه .ثم شاع إطلاق الائتمار على التشاور لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع ،قال تعالى{ وائتمروا بينكم بمعروف}[ الطلاق: 6] .
وجملة{ قال يا موسى} بدل اشتمال من جملة{ جاء رجل} لأن مجيئه يشتمل على قوله ذلك .
ومتعلق الخروج محذوف لدلالة المقام ،أي فاخرج من المدينة .
وجملة{ إني لك من الناصحين} تعليل لأمره بالخروج .واللام في قوله{ لك من الناصحين} صلة ،لأن أكثر ما يستعمل فعل النصح معدى باللام .يقال: نصحت لك قال تعالى{ إذا نصحوا لله ورسوله} في سورة[ التوبة: 91] ووهماً قالوا: نصحتك .وتقديم المجرور للرعاية على الفاصلة .