خبر آخر عن اسم الإشارة أو وصف آخر ل{ عالم الغيب}[ السجدة: 6] ،وهو ارتقاء في الاستدلال مشوبٌ بامتنان على الناس أنْ أحْسنَ خلقهم في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلق الإنسان بالذكر .والمقصود: أنه الذي خلق كل شيء وخاصة الإنسان خلقاً بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ،وأخرج أصله من تراب ثم كوَّن فيه نظام النسل من ماء ،فكيف تعجزه إعادة أجزائه .
والإحسان: جعل الشي حَسناً ،أي محموداً غير معيب ،وذلك بأن يكون وافياً بالمقصود منه فإنك إذا تأملت الأشياء رأيتها مصنوعة على ما ينبغي ؛فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ،ورقة الهواء ليسهل انتشاقه للتنفس ،وتوجه لهيب النار إلى فوقُ لأنها لو كانت مثل الماء تلتهب يميناً وشمالاً لكثرت الحرائق فأما الهواء فلا يقبل الاحتراق .
وقوله{ خَلَقَه} قرأه نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بصيغة فعل المضي على أن الجملة صفة ل{ شيء} أي: كل شيء من الموجودات التي خلقها وهم يعرفون كثيراً منها .وقرأه الباقون بسكون اللام على أنه اسم هو بدل من{ كل شيء} بدل اشتمال .وتخلص من هذا الوصف العام إلى خلْق الإنسان لأن في خلقة الإنسان دقائق في ظاهره وباطنه وأعظمها العقل .
و{ الإنسان} أُريد به الجنس ،وبَدْءُ خلقه هو خلق أصله آدم كما في قوله تعالى:{ ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}[ الأعراف: 11] ،أي: خلقنا أباكم ثم صورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم .ويدل على هذا المعنى هنا قوله:{ ثم جَعَل نسله من سلالة} فإن ذلك بُدِىء من أول نسل لآدم وحواء ،وقد تقدم خلْق آدم في سورة البقرة .و{ من} في قوله{ مِن طِين} ابتدائية .