الخطاب لقريش الذين سيقت هذه القصص لعظتهم .والمرور: مجاوزة السائر بسيره شيئاً يتركه ،والمراد هنا: مرورهم في السفر ،وكان أهل مكة إذا سافروا في تجارتهم إلى الشام يمرّون ببلاد فلسطين فيمرون بأرض لوط على شاطىء البحر الميّت المسمّى بُحيرة لوط .وتعدية المرور بحرف ( على ) يعيِّن أن الضمير المجرور بتقدير مضاف إلى: على أرضهم ،كما قال تعالى:{ أو كالذي مر على قرية}[ البقرة: 259] .يقال: مر عليه ومرّ به ،وتعديته بحرف ( على ) تفيد تمكّن المرور أشدّ من تعديته بالباء ،وكانوا يمرّون بديار لوط بجانبها لأن قُراهم غمرها البحر الميت وآثارها باقية تحت الماء .
والمُصبح: الداخل في وقت الصباح ،أي تمرّون على منازلهم في الصباح تارة وفي الليل تارة بحسب تقدير السير في أول النهار وآخره ،لأن رحلة قريش إلى الشام تكون في زمن الصيف ويكون السيرُ بُكرة وعشيّاً وسُرىً ؛والباء في{ وباللَّيلِ} للظرفية .
والخبر الذي في قوله:{ وإنكم لتمُرُّون عليهم} مستعمل في الإِيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإِخبار ،وتأكيدُه بحرف التوكيد وباللام تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه ،وذلك مثل قوله:{ وإنها لبسبيل مقيم في سورة الحجر} ( 76 ) .وفرع على ذلك بالفاء استفهام إنكاري من عدم فطْنتهم لدلالة تلك الآثار على ما حلّ بهم من سخط الله وعلى سبب ذلك وهو تكذيب رسول الله لوط .
وقد أشرنا إلى وجه تخصيص قصة لوط مع القصص الخمس في أول الكلام على قصة نوح وتزيد على تلك القصص بأن فيها مشاهدة آثار قومه الذين كذبوا وأصرّوا على الكفر .