وقوله:{ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} من كلام المَلأ .والإِشارة إلى ما أشير إليه بقولهم:{ إن هذا لشيء يراد} ،أي هذا القول وهو{ أجعَلَ الآلهة إلها واحداً}[ ص: 5] .
والجملة مستأنفة أو مبينة لجملة{ إنَّ هذا لشيءٌ يُرادُ} لأن عدم سماع مثله يبين أنه شيء مصطنع مبتدع .وإعادة اسم الإِشارة من وضع الظاهر موضع المضمر لقصد زيادة تمييزه .وفي قوله:{ بهذا} تقدير مضاف ،أي بمثل هذا الذي يقوله .ونفي السماع هنا خبر مستعمل كناية عن الاستبعاد والاتّهام بالكذب .
و{ الملة}: الدين ،قال تعالى:{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} في سورة[ البقرة: 120] ،وقال:{ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون باللَّه وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} في سورة[ يوسف: 37 - 38] .
( و{ الآخِرة}: تأنيث الآخِر وهو الذي يكون بعد مضي مدة تقررت فيها أمثاله كقوله تعالى:{ ثم اللَّه ينشىء النشأة الآخرة}[ العنكبوت: 20] .
والمجرور من قوله:{ في الملة الآخرةِ} يجوز أن يكون ظرفاً مستقراً في موضع الحال من اسم الإِشارة بياناً للمقصود من الإِشارة متعلقاً بفعل{ سَمِعْنَا} .والمعنى: ما سمعنا بهذا قبل اليوم فلا نعتدّ به .ويجوز على هذا التقدير أن يكون المراد ب{ الملَّةِ الآخرة} دين النصارى ،وهو عن ابن عباس وأصحابه وعليه فالمشركون استشهدوا على بطلان توحيد الإله بأن دين النصارى الذي ظهر قبل الإِسلام أثبتَ تعدد الآلهة ،ويكون نفي السماع كناية عن سماع ضده وهو تعدد الآلهة .ويجوز أن يريدوا ب{ الملَّةِ الآخِرة} الملّة التي هُم عليها ويكون إشارة إلى قول ملأ قريش لأبي طالب في حين احْتضاره حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم «يا عَم قُلْ لا إله إلاّ الله كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله .فقالوا له جميعاً: أترغب عن ملة عبد المطلب» فقولهم:{ في الملة الآخِرَةِ} كناية عن استمرار انتفاء هذا إلى الزمن الأخير فيعلم أن انتفاءه في ملتهم الأولى بالأحرى .
وجملة{ إن هذا إلاَّ اختلاقٌ} مبينة لجملة{ ما سمعنا بهذا} وهذا هو المتحصل من كلامهم المبدوء ب{ امشوا واصبروا على ءَالهتِكُم} فهذه الجملة كالفذلكة لكلامهم .
والاختلاق: الكذب المخترع الذي لا شبهة لقائله .