{ فاصبر على مَا يَقُولُونَ} .
تفريع على ما تقدم كله من قوله:{ بل عجبوا أن جاءهم منذر}[ ق: 2] الآيات ،ومناسبة وقعه هذا الموقع ما تضمنه قوله:{ وكم أهلكنا قبلهم من قرن}[ مريم: 74] الآية من التعريض بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم أي فاصبر على ما يقول المشركون من التكذيب بما أخبرتهم من البعث وبالرسالة وقد جمع ذلك كله الموصول وهو{ ما يقولون} .
وضمير{ يقولون} عائد إلى المشركين الذين هم المقصود من هذه المواعظ والنذر ابتداء من قوله:{ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} .
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} .
عطف على{ فاصبر على ما يقولون} فهو من تمام التفريع ،أي اصبر على أقوال أذَاهُمْ وسخريتهم .ولعلّ وجه هذا العطف أن المشركين كانوا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة مثل قصة إلقاء عقبةَ بن أبي مُعيط سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم حين سجد في المسجد الحرام في حجر الكعبة فأقبل عقبة بن أبي مُعيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ،فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال:{ أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}[ غافر: 28] الآية .وقال تعالى:{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى إلى قوله:{ كلالا تطعه واسجد واقترب}[ العلق: 9 19] .
فالمراد بالتسبيح: الصلاة وهو من أسماء الصلاة .قال ابن عطية: أجمع المتأولون على أن التسبيح هنا الصلاة .قلت: ولذلك صار فعل التسبيح منزلاً منزلة اللازم لأنه في معنى: صَلّ .والباء في{ بحمد ربك} يرجح كون المراد بالتسبيح الصلاة لأن الصلاة تقرأ في كل ركعة منها الفاتحة وهي حمد لله تعالى ،فالباء للملابسة .
واختلف المفسرون في المراد بالصلاة من قوله:{ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} ففي « صحيح مسلم » عن جرير بن عبد الله:"كُنَّا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر فقال: إنكم سَتَرَوْنَ ربَّكم كما ترون هذا القمر لا تُضامُون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"يعني بذلك العصر والفجر .ثم قرأ جرير{ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} كذا .والقراءة{ الغروب} .وعن ابن عباس: قبل الغروب: الظهر والعصر .وعن قتادة: العصر .