هذا توبيخ على عدم الاعتراف بنعم الله تعالى ،جيء فيه بمثل ما جيء به في نظيره الذي سبقه ليكون التوبيخ بكلام مثللِ سابقه ،وذلك تكريرٌ من أسلوب التوبيخ ونحوه أن يكون بمثل الكلام السابق ،فحق هذا أن يسمى بالتعداد لا بالتكرار ،لأنه ليس تكريراً لمجرد التأكيد ،فالفاء من قوله:{ فبأي ألاء ربكما} هنا تفريع على قوله:{ رب المشرقين ورب المغربين}[ الرحمن: 17] لأن ربوبيته تقتضي الاعتراف له بنعمة الإِيجاد والإِمداد وتحصل من تماثل الجمل المكررة فائدة التأكيد والتقرير أيضاً فيكون للتكرير غرضان كما قدمناه في الكلام على أول السورة .
وفائدة التكرير توكيد التقرير بما لله تعالى من نعم على المخاطبين وتعريض بتوبيخهم على إشراكهم بالله أصناماً لا نعمة لها على أحد ،وكلها دلائل على تفرد الإِلهية .وعن ابن قتيبة « أن الله عدّد في هذه السورة نعماء ،وذكر خلقه آلاءه ثم أتبع كل خلة وَصَفها ،ونعمة وضعها بهذه ،وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها » اه .وقال الحسين بن الفضل{[405]}: التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة .
وقال الشريف المرتضى في مجالسه وأماله المسمّى « الدرر والغرر »: وهذا كثير في كلام العرب وأشعارهم ،قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليباً:
على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا طرد اليتيم عن الجزور
وذكر المصراع الأول ثماني مرات في أوائل أبيات متتابعة .وقال الحارث بن عياد:
قَرِّبَا مربط النعامة مني *** لقحت حرب وائل عن حبال
ثم كرر قوله: قرِّبا مربط النعامة مني ،في أبيات كثيرة من القصيد .
وهكذا القول في نظائر قوله:{ فبأي ألاء ربكما تكذبان} المذكور هنا إلى ما في آخر السورة .