كانوا ينفون الحشر بعلة أنه إذا تفرقت أجزاء الجسد لا يمكن جمعها ولا يحاط بها .{ وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد}[ السجدة: 10] ،فكان قوله تعالى:{ يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون} دحضا لشبهتهم ،أي أن الذي يعلم ما في السماوات والأرض لا يعجزه تفرق أجزاء البدن إذا أراد جمعها .والذي يعلم السرّ في نفس الإِنسان ،والسرُّ أدق وأخفى من ذرات الأجساد المتفرقة ،لا تخفى عليه مواقع تلك الأجزاء الدقيقة ولذلك قال تعالى:{ أيحسب الإِنسانُ أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}[ القيامة: 3 - 4] .
فالمقصود هو قوله:{ ويعلم ما تسرون} كما يقتضيه الاقتصار عليه في تذييله بقوله:{ والله عليم بذات الصدور} ولم يذكر أنه عليم بأعمال الجوارح ،ولأن الخطاب للمشركين في مكة على الراجح .وذلك قبل ظهور المنافقين فلم يكن قوله:{ ويعلم ما تسرون وما تعلنون} تهديداً على ما يبطنه الناس من الكفر .
وأما عطف{ وما تعلنون} فتتميم للتذكير بعموم تعلق علمه تعالى بالأعمال .
وقد تضمن قوله:{ ويعلم ما تسرون وما تعلنون} وعيداً ووعداً ناظريْن إلى قوله:{ فمنكم كافر ومنكم مؤمن}[ التغابن: 2] فكانت الجملة لذلك شديدة الاتصال بجملة{ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}[ التغابن: 2] .
وإعادة فعل{ يعلم} للتنبيه على العناية بهذا التعلق الخاص للعلم الإِلهي بعد ذكر تعلقه العام في قوله:{ يعلم ما في السموات والأرض} تنبيهاً على الوعيد والوعد بوجه خاص .
وجملة{ والله عليم بذات الصدور} تذييل لجملة{ ويعلم ما تسرون} لأنه يعلم ما يُسِرُّه جميع الناس من المخاطبين وغيرهم .
و{ ذات الصدور} صفة لموصوف محذوف نزلت منزلة موصوفها ،أي صاحبات الصدور ،أي المكتومة فيها .
والتقدير: بالنوايا والخواطر ذات الصدور كقوله:{ وحملناه على ذات ألواح}[ القمر: 13] وتقدم بيانه عند قوله تعالى:{ إنه عليم بذات الصدور} في سورة[ الأنفال: 43] .