وانتصب{ عيناً} على البدل من{ زنجبيلاً} كما تقدم في قوله:{ كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله}[ الإنسان: 5 ،6] .
ومعنى كون الزنجبيل عيناً: أن منقوعه أو الشراب المستخرج منه كثير كالعين على نحو قوله تعالى:{ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه}[ محمد: 15] ،أي هو كثير جداً وكان يعرف في الدنيا بالعزة .
و ( سلسبيل ): وصف قيل مشتق من السلاسة وهي السهولة واللين فيقال: ماء سلسل ،أي عذب بارد .قيل: زيدت فيه الباء والياء ( أي زيدتا في أصل الوضع على غير قياس ) .
قال التبريزي في « شرح الحماسة » في قول البعيث بن حُرَيْث:
خَيالٌ لأمِّ السَّلْسبيل ودُونَها *** مسيرة شهر للبريد المذبذب
قال أبو العلاء: السلسبيل الماء السهل المَساغ .وعندي أن هذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسَّبَالة ،يقال: سبلت السماء ،إذا أمطرت ،فسبيل فعيل بمعنى مفعول ،رُكب من كلمتي السلاسة والسبيل لإِرادة سهولة شربه ووفرة جريه .وهذا من الاشتقاق الأكبر وليس باشتقاق تصريفي .
فهذا وصف من لغة العرب عند محققي أهل اللغة .وقال ابن الأعرابي: لم أسمع هذه اللفظة إلاّ في القرآن ،فهو عنده من مبتكرات القرآن الجارية على أساليب الكلام العربي ،وفي « حاشية الهمذاني على الكشاف » نسبة بيت البعث المذكور آنفاً مع بيتين بعده إلى أمية بن أبي الصلت وهو عزو غريب لم يقله غيره .
ومعنى{ تسمى} على هذا الوجه ،أنها توصف بهذا الوصف حتى صار كالعلم لها كما قال تعالى:{ لَيُسَمُّونَ الملائكة تسميةَ الأنثى}[ النجم: 27] أي يصفونهم بأنهم إناث ،ومنه قوله تعالى:{ هل تعلم له سَمِيّاً}[ مريم: 65] أي لا مثيل له .فليس المراد أنه علَم .
ومن المفسرين من جعل التسمية على ظاهرها وجعل{ سلسبيلاً} علماً على هذه العين ،وهو أنسب بقوله تعالى:{ تسمَّى .} وعلى قول ابن الأعرابي والجمهور: لا إشكال في تنوين{ سلسبيلاً} .وأما الجواليقي: إنه أعجمي سمّي به ،يكون تنوينه للمزاوجة مثل تنوين{ سلاسلا}[ الإنسان: 4] .
وهذا الوصف ينحلّ في السمع إلى كلمتين: سَل ،سَبيلا ،أي اطلُب طريقاً .وقد فسره بذلك بعض المفسرين وذكر أنه جُعل عَلَماً لهذه العين من قبيل العلَم المنقول عن جملة مثل: تَأبط شراً ،وذَرَّى حَبّاً .وفي « الكشاف » أن هذا تكلف وابتداع .