و{ مطهرة} اسم مفعول مِن طَهَّره إذا نظَّفه .والمراد هنا: الطهارة المجازية وهي الشرف ،فيجوز أن يحمل الصحف على حقيقته فتكون أوصافها ب{ مُكرمة ،مرفوعة ،مطهرة} محمولة على المعاني المجازية وهي معاني الاعتناء بها كما قال تعالى:{ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم}[ النمل: 29] .وتشريفها كما قال تعالى:{ إن كتاب الأبرار لفي عليين}[ المطففين: 18] وقُدسِيةِ معانيها كما قال تعالى:{ ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}[ البقرة: 129] ،وكان المرادُ بالصحف الأشياء التي كتب فيها القرآن من رقوق وقراطيسَ ،وأكتاف ،ولِخاف ،وجريد .
فقد روي أن كتَّاب الوحي كانوا يكتبون فيها كما جاء في خبر جمع أبي بكر للمصحف حين أمر بكتابته في رقوق أو قراطيس ،ويكون إطلاق الصحف عليها تغليباً ويكون حرف ( في ) للظرفية الحقيقية ويكون المراد بالسفرة جمع سافر ،أي كاتب ،وروي عن ابن عباس .قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب سفر ( بكسر السين ) وللكاتب سَافر ؛لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه يقال: أسفر الصبح ،إذا أضاء وقاله الفراء .
ويجوز أن يراد بالصحف كتب الرسل الذين قبل محمد صلى الله عليه وسلم مثل التوراة والإِنجيل والزبور وصحف إبراهيم عليه السلام .
فتكون هذه الأوصاف تأييداً للقرآن بأن الكتب الإلهية السابقة جاءت بما جاء به .ومعنى كون هذه التذكرة في كتب الرسل السابقين: أن أمثال معانيها وأصولها في كتبهم ،كما قال تعالى:{ إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى}[ الأعلى: 18 19] وكما قال:{ وإنه لفي زبر الأولين}[ الشعراء: 196] وكما قال:{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى}[ الشورى: 13] .
ويجوز أن يراد بالصحف صحفٌ مجازية ،أي ذوات موجودةٌ قدسيةٌ يتلقى جبريل عليه السلام منها القرآن الذي يؤمر بتبليغه للنبيء صلى الله عليه وسلم ويكون إطلاق الصحف عليها لشبهها بالصحف التي يكتب الناس فيها .ومعنى{ مكرمة} عناية الله بها ،ومعنى{ مرفوعة} أنها من العالم العلوي ،ومعنى{ مطهرة} مقدسة مباركة ،أي هذه التذكرة مما تضمنه علم الله وما كتبه للملائكة في صحف قدسية .
وعلى الوجهين المذكورين في المراد بالصحف ( فَسَفَرة ) يجوز أن يكون جمع سَافر ،مثل كاتب وكتبة ،ويجوز أن يكون اسم جمع سَفير ،وهو المرسَل في أمر مهم ،فهو فَعيل بمعنى فاعل ،وقياس جمعه سفراء وتكون ( في ) للظرفية المجازية ،أي المماثلة في المعاني .