و( السليم ):هو السالم ، وجاء على هذا المثال لأنه للصفات ، كالطويل والقصير والظريف . فالسليم:القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير .
وأيضا:فإنه ضد المريض والسقيم والعليل .
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم .
والأمر الجامع لذلك:أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره . فسلم من عبودية ما سواه ، وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم فسلم في محبته مع تحكيمه لرسوله صلى الله عليه وسلم في خوفه ورجائه والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، والذل له ، وإيثار مرضاته في كل حال ، والتباعد من سخطه بكل طريق . وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده .
فالقلب السليم:هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركة بوجه ما ، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى:إرادة ، ومحبة وتوكلا ، وإنابة ، وإخباتا ، وخشية ، ورجاء . وخلص عمله وأمره كله لله ، فإن أحب أحب في الله ، وإن بغض أبغض في الله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله . ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده ، دون كل أحد في الأموال والأعمال:من أقوال القلب ، وهي العقائد . وأقوال اللسان ، وهي الخبر عما في القلب وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها ، وأعمال الجوارح ، فيكون الحاكم عليه في ذلك كله . دقِّه وجَله:هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل ، كما قال تعالى:{ يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [ الحجرات:1] أي لا تقولوا حتى يقول ، ولا تفعلوا حتى يأمر .
قال بعض السلف:ما من فعلة ، وإن صغرت ، إلا ينشر لها ديوانان:لم ؟ وكيف ؟ أي لم فعلت ؟ وكيف فعلت ؟
فالأول:سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه:هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل ، وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس وخوف ذمهم ؟
أو استجلاب محبوب عاجل أو دفعه مكروه عاجل ؟ أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية لله ، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه ، وابتغاء الوسيلة إليه ؟
ومحل هذا السؤال:أنه هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك أم فعلته لحظك وهواك ؟
والثاني:سؤالك عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد . أي:هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي ، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه ؟
فالأول:سؤال عن الإخلاص .
والثاني:عن المتابعة . فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما .
فطريق التخلص من السؤال الأول:بتجريد الإخلاص . وطريق التخلص من السؤال الثاني:بتحقيق المتابعة . وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص ومن هوى يعارض الإتباع . فهذا حقيقة سلامة القلب . فمن سلم قلبه ضمنت له النجاة والسعادة .