وهذه التسوية إنما كانت في الحب والتأليه واتباع ما شرعوا لا في الخلق والقدرة والربوبية وهي العدل الذي أخبر به عن الكفار ، كقوله:{ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [ الأنعام:1] .
وأصح القولين:أن المعنى:ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، فيجعلون له عدلا يحبونه ويقدسونه ويعبدونه ، كما يعبدون الله ، ويعظمون أمره .
وقال في «طريق الهجرتين »:
وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات ، بحيث اعتقدوا أنها مساوية لله سبحانه في أفعاله وصفاته ، وإنما كانت تسوية منهم بين الله وبينها في المحبة والعبودية والتعظيم ، مع إقرارهم بالفرق بين الله وبينها . فتصحيح هذه:هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله .
فحقيق لمن نصح نفسه ، وأحب سعادتها ونجاتها:أن يتيقظ لهذه المسألة علما وعملا ، وتكون أهم الأشياء عنده ، وأجل علومه وأعماله . فإن الشأن كله فيها ، والمدار كله عليها ، والسؤال يوم القيامة عنها . قال تعالى:{ فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} [ الحجر:92 . 93] قال غير واحد من السلف:هو عن قول «لا إله إلا الله » وهذا حق . فإن السؤال كله عنها ، وعن أحكامها وحقوقها ، وواجباتها ولوازمها فلا يسأل أحد قط إلا عنها وعن واجباتها ، ولوازمها وحقوقها . قال أبو العالية:كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون:ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟
فالسؤال عماذا كانوا يعبدون:هو السؤال عنها نفسها . والسؤال عماذا أجابوا المرسلين:سؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إليها هل سلكوها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها ؟
فعاد الأمر كله إليها . وأمر هذا شأنه حقيق بأن تُثْنَى عليه الخناصر ، ويُعَضَّ عليه بالنواجذ ، ويُقبض فيه على الجمر . ولا يؤخذ بأطراف الأنامل ، ولا يطلب على فضله ، بل يجعل هو المطلب الأعظم ، وما سواه إنما يطلب على العضلة ، والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه .