قال مجاهد:إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد ، فيحبس بذلك القطر ، فيهلك الحرث والنسل . والله لا يحب الفساد . . . ثم قرأ{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} ثم قال:أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر .
وقال عكرمة:ظهر الفساد في البر والبحر ، أما إني لا أقول لكم:بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء .
وقال قتادة:أما البر:فأهل العمور ، وأما البحر:فأهل القرى والريف .
قلت:وقد سمي الله تعالى الماء العذب بحرا ، فقال:{ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} [ الفرقان:53] وليس في العالم بحر حلو واقفا ، وإنما هي الأنهار الجارية والبحر المالح والساكن . فتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه .
وقال ابن زيد:{ ظهر الفساد في البر والبحر} ، قال:الذنوب .
قلت:أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر ، وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها ، فيكون اللام في قوله:{ ليذيقهم بعض الذي عملوا} لام العاقبة والتعليل .
وعلى الأول:فالمراد بالفساد:النقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض بمعاصي العباد فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة . كما قال بعض السلف:كل ما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة .
والظاهر - والله أعلم - أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها .
ويدل عليه قوله تعالى:{ ليذيقهم بعض الذي عملوا} فهذا حالنا دائما ، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا ، فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة .