الخامس:أنه قال:{ ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى} والمرئي عند السدرة هو جبريل قطعا . وبهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعائشة رضي الله عنها:«ذاك جبريل » .
السادس:أن مفسر الضمير في قوله:{ ولقد رآه} وقوله:{ ثم دنى فتدلى} وقوله:{ فاستوى} وقوله:{ وهو بالأفق الأعلى} واحدة . فلا يجوز أن يخالف بين المفسر والمفَسَّر من غير دليل .
السابع:أنه سبحانه ذكر في هذه السورة الرسولين الكريمين:الملكي ، والبشري . ونزه البشرى عن الضلال والغواية ، ونزه الملكي عن أن يكون شيطانا قبيحا ضعيفا ، بل هو قوي كريم حسن الخَلْق . وهذا نظير المذكور في سورة التكوير سواء .
الثامن:أنه أخبر هناك أنه رآه بالأفق المبين ، وهاهنا:أنه رآه بالأفق الأعلى . وهو واحد وصف بصفتين ، فهو مبين وأعلى . فإن الشيء كلما علا بان وظهر .
التاسع:أنه قال{ ذو مرة} والمرة:الخلق الحسن المحكم . فأخبر عن حسن خلق الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ساق الخبر كله عنه نسقا واحدا .
العاشر:أنه لو كان خبرا عن الرب تعالى لكان القرآن قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه سبحانه مرتين:مرة بالأفق ، ومرة عند السدرة . ومعلوم أن الأمر لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد سأله:هل رأيت ربك - قال صلى الله عليه وسلم:«نور ، أنى أراه ؟ » فكيف يخبر القرآن أنه رآه مرتين ، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنى أراه » وهذا أبلغ من قوله:( لم أره ) لأنه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرؤية فقط . وهذا يتضمن النفي وطرفا من الإنكار على السائل ، كما إذا قال لرجل:هل كان كيت وكيت ؟ فيقول:كيف يكون ذلك ؟
الحادي عشر:أنه لم يتقدم للرب جل جلاله ذكر يعود الضمير عليه في قوله:{ ثم دنى فتدلى} والذي يعود الضمير عليه لا يصلح له وإنما هو لعبده .
الثاني عشر:أنه كيف يعود الضمير إلى ما لم يذكر ، ويترك عوده إلى المذكور ، مع كونه أولى به ؟
الثالث عشر:أنه قد تقدم ذكر «صاحبكم » وأعاد عليه الضمائر التي تليق به ، ثم ذكر بعده شديد القوى . ذا المرة . وأعاد عليه الضمائر التي تليق به . والخبر كله عن هذين المفسرين ، وهما الرسول الملكي ، والرسول البشري .
الرابع عشر:أنه سبحانه أخبر أن هذا الذي دنى فتدلى:كان بالأفق الأعلى وهو أفق السماء ، بل هو تحتها ، قد دنى من الأرض ، فتدلى من رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ، ودنو الرب تعالى وتدليه على ما في حديث شريك:كان من فوق العرش ، لا إلى الأرض .
الخامس عشر:أنهم لم يماروه صلوات الله وسلامه عليه على رؤية ربه ، ولا أخبرهم بها لتقع مماراتهم له عليها . وإنما ماروه على رؤية ما أخبرهم من الآيات التي أراه الله إياها . ولو أخبرهم برؤية الرب تعالى لكانت مماراتهم له عليها أعظم من مماراتهم على رؤية المخلوقات .
السادس عشر:أنه سبحانه قرر صحة ما رآه . وأن مماراتهم له على ذلك باطلة بقوله:{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى} ولو كان المرئي هو الرب سبحانه وتعالى والمماراة على ذلك منهم:لكان تقرير تلك الرؤية أولى ، والمقام إليها أحوج . والله أعلم .