أعاد الضمير إلى النساء ، ولم يجر لهن ذكر ؛ لأن الفرش دلت عليهن ، إذ هي محلهم ، وقيل:الفرش في قوله:{ وفرش مرفوعة} [ الواقعة:34] كناية عن النساء ، كما يكنى عنهن بالقوارير و الأزر وغيرها ، ولكن قوله:{ مرفوعة} يأبى هذا إلا أن يقال:المراد رفعة القدر ، وقد تقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للفرش وارتفاعها . فالصواب:أنها الفرش نفسها ، ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا .
قال قتادة وسعيد بن جبير:خلقناهن خلقا جديدا .
وقال ابن عباس:يريد نساء الآدميات .
وقال الكلبي ، ومقاتل:يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط . يقول الله تعالى:خلقناهن بعد الكبر والهرم وبعد الخلق الأول في الدنيا .
ويؤيد هذا التفسير:حديث أنس رضي الله عنه المرفوع:«هن عجائزكم العمش الرمص » رواه الثوري عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عنه .
ويؤيده ما رواه يحيى الحماني حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، وعندها عجوز . فقال صلى الله عليه وسلم:«من هذه ؟ » فقالت:إحدى خالاتي ، فقال:«إما إنه لا يدخل الجنة العجوز » ، فدخل على العجوز من ذلك ما شاء الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنا أنشأناهن إنشاء خلقا آخر ، يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، وأول من يكسى إبراهيم خليل الله ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم:{ إنا أنشاناهن إنشاء} .
قال آدم بن أبي إياس:حدثنا شيبان عن الزهري عن جابر الجعفي عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله:{ إنا أنشأناهن إنشاء} «يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا » .
قال آدم:وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يدخل الجنة العجز » ، فبكت عجوز ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أخبروها أنها يومئذ ليست بعجوز ، إنها يومئذ شابة . إن الله عز وجل يقول:{ إنا أنشأناهن إنشاء} .
وقال ابن أبي شيبة:حدثنا احمد بن طارق حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار ، فقالت يا رسول الله ، ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:«إن الجنة لا يدخلها عجوز » . فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى ؛ ثم رجع إلى عائشة فقالت عائشة:لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة . فقال صلى الله عليه وسلم:«إن ذلك كذلك ، إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا » .
وذكر مقاتل قولا آخر ، وهو اختيار الزجاج:أنهن الحور العين التي ذكرهن قبل ، أنشأهن الله عز وجل لأوليائهم لهم يقع عليهن ولادة .
والظاهر:أن المراد أنشأهن الله تعالى في الجنة إنشاء . ويدل عليه وجوه:
أحدها:انه قد قال في حق السابقين{ يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب - إلى قوله - كأمثال اللؤلؤ المكنون} [ الواقعة:17 . 23] فذكر سردهم ، وآنيتهم ، وشرابهم ، وفاكهتهم ، وطعامهم ، وأزواجهم والحور العين ، ثم ذكر أصحاب الميمنة ، وطعامهم ، وشرابهم ، وفراشهم ، ونساءهم . والظاهر أنهن مثل نساء من قبلهم ، خلقن في الجنة .
الثاني:أنه سبحانه قال:{ إنا أنشأناهن إنشاء} وهذا ظاهر:أنه إنشاء أول لا ثان . لأنه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك كقوله:{ وأن عليه النشأة الأخرى} [ الندم:47] وقوله:{ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون} [ الواقعة:62] .
الثالث:إن الخطاب بقوله:{ وكنتم أزواجا ثلاثة} [ الواقعة:7] إلى آخره:للذكور والإناث . والنشأة الثانية أيضا عامة للنوعين .
وقوله:{ إنا أنشأناهن إنشاء} ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء .
وتأمل تأكيده بالمصدر . والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف ، بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة . فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات ، بل هي أحق به منهن فالإنشاء واقع على الصنفين . والله اعلم .