يمتن تعالى على عباده بنعمه، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها; وعدم الغفلة عنها فقال:{ أَلَمْ تَرَوْا} أي:تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم،{ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من الشمس والقمر والنجوم، كلها مسخرات لنفع العباد.
{ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من الحيوانات والأشجار والزروع، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ} أي:عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها; والتي تخفى علينا، نعم الدنيا، ونعم الدين، حصول المنافع، ودفع المضار، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم; بمحبة المنعم والخضوع له; وصرفها في الاستعانة على طاعته، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته.
{ و} لكن مع توالي هذه النعم;{ مِنَ النَّاسِ مَنْ} لم يشكرها; بل كفرها; وكفر بمن أنعم بها; وجحد الحق الذي أنزل به كتبه; وأرسل به رسله، فجعل{ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} أي:يجادل عن الباطل; ليدحض به الحق; ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده، وهذا المجادل على غير بصيرة، فليس جداله عن علم، فيترك وشأنه، ويسمح له في الكلام{ وَلَا هُدًى} يقتدي به بالمهتدين{ وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين]وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين، بل ضالين مضلين.