قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( 20 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} .
يمنّ الله في هذه الآية على عباده بما في ذلك من استفهام على سبيل التقريع للمشركين المكذبين الذين يجحدون نعم الله الكثيرة ،فقد سخر الله لهم ما في السماوات والأرض من النعم .أي يسَّرها وذللها لهم لينتفعوا بها ،سخر لهم ما حوته السماوات والأرض من شمس مضيئة مشرقة ،وقمر ساطع منير ،وكواكب لوامع ونجوم هائلة ثوابت ،وأجرام كثيرة ومختلفة ومبثوثة في أرجاء الكون الفسيح ،تجمع بينها قوانين مستقرة ،في غاية الدقة والإحكام فلا خبط ولا عِِثار ولا فوضى .وكذلك سخر لهم ما في الأرض .هذا الكوكب المتقن الدائر العجيب بما حواه من بحار وأنهار وأشجار فيها من كل الثمرات .وكذلك الهواء الذي يملأ الأرض بمركباته الدقيقة ،ومن أهمها عنصر الأكسجين الذي تتنفسه الأحياء فلا تموت .إلى غير ذلك من وجوه المنافع المستفادة من طبقات الأرض ومركباته كالمعادن والمياه والأسماك والطقوس والبيئات والأحوال المختلفة المتكاملة .كل ذلك بفعل الله وتقديره فهو سبحانه الخالق القادر المنّان .
قوله:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} أسبغ أي أفاض وأتم .أسبغت الوضوء أي أتممته{[3656]} والمعنى: أن الله أتم نعمه عليكم وأكملها لكم{ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} واختلفوا في المراد بنعم الله الظاهرة والباطنة .فقد قيل: المراد بالظاهرة الإسلام ،إذ أتمه الله على عباده ليسعدوا به وينجوا ،والباطنة ،ما ستر الله على عبده من سوء العمل ؛فقد روي أن ابن عباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال:"الظاهرة الإسلام وما حسن من خلْقك .والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك .وقيل: الظاهرة: تمام الصحة وكمال الخلْق من السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح الظاهرة .والباطنة: المعرفة والعقل والقلب .وقيل: الظاهرة نعم الدنيا ،والباطنة نعم الآخرة .وقيل: الظاهرة ما تشهد به الأبصار من مال وجاه وجمال في الحياة والطبيعة .أو ما يدرك بالعقل والحس والمشاهدة .وأما الباطنة فهي ما يخفى على الناس ولا يدركونه من النعم .
قوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} من الناس معاندون فجّار يخاصمون في شأن الله من حيث وجوده أو وحدانيته أو إفراده دون غيره بالعبادة والطاعة وكامل الإذعان ،وذلك على سبيل المكابرة والمعاندة والعتو{بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ليس لهم فيما يتقولونه ويتخرصونه من حجة أو دليل من عقل ولا نقل{وَلاَ هُدًى} أي ولا بيان يهدي إلى الصواب ويميز بين الحق والباطل{وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} أي ليس له فيما يزعمه برهان من تنزيل من الله كاشف ونير يعزز حقيقة دعواه ،ويشهد بصدق خصامه .إنه ليس لهؤلاء المكذبين في خصامهم من دليل أو حجة إلا العناد والتمرد والاستكبار .