يعني تعالى ذكره بإسماعيل:إسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد ، وبإدريس:أخنوخ ، وبذي الكفل:رجلا تكفل من بعض الناس ، إما من نبيّ وإما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثنى الله عليه حسن وفائه بما تكفل به ، وجعله من المعدودين في عباده ، مع من حمد صبره على طاعة الله، وبالذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء.
*ذكر الرواية بذلك عنهم:حدثنا محمد بن بشار ، قال:ثنا مؤمل ، قال:ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث:أن نبيا من الأنبياء ، قال:من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ، ولا يغضب ، فقام شاب فقال:أنا ، فقال:اجلس:ثم عاد فقال:من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ، ولا يغضب؟ فقام ذلك الشاب فقال:أنا، فقال:اجلس، ثم عاد فقال:من تكفل لي أن يقوم الليل ، ويصوم النهار ، ولا يغضب؟ فقام ذلك الشاب فقال:أنا ، فقال:تقوم الليل، وتصوم النهار ، ولا تغضب فمات ذلك النبيّ ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس ، فكان لا يغضب، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليُغضبه وهو صائم يريد أن يقيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال:من هذا؟ فقال:رجل له حاجة، فأرسل معه رجلا فقال:لا أرضى بهذا الرجل، فأرسل معه آخر ، فقال:لا أرضى بهذا، فخرج إليه فأخذ بيده ، فانطلق معه ، حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب ، فسمي ذا الكفل.
حدثنا ابن المثنى ، قال:ثنا عفان بن مسلم ، قال:ثنا وهيب ، قال:ثنا داود ، عن مجاهد ، قال:لما كبر اليسع قال:لو أني استخلفت على الناس رجلا يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، قال:فجمع الناس ، فقال:من يتقبل لي بثلاث أستخلفه:يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ، قال:فقام رجل تزدريه العين ، فقال:أنا، فقال:أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال:نعم، قال:فردّهم ذلك اليوم ، وقال مثلها اليوم الآخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل ، فقال:أنا، فاستخلفه، قال:فجعل إبليس يقول للشياطين:عليكم بفلان، فأعياهم ، فقال:دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة ، فدقّ الباب ، فقال:من هذا؟ قال:شيخ كبير مظلوم، قال:فقام ففتح الباب ، فجعل يقص عليه ، فقال:إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا، فجعل يطوّل عليه ، حتى حضر الرواح ، وذهبت القائلة ، وقال:إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره ، فجعل يبتغيه فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدقّ الباب ، فقال:من هذا؟ قال:الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له ، فقال:ألم أقل لك إذا قعدت فأتني، فقال:إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد ، قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني، قال:فانطلق فإذا رحت فأتني، قال:ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينظر فلا يراه ، فشقّ عليه النعاس ، فقال لبعض أهله:لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شقّ عليّ النوم، فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل وراءك ، فقال:إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري ، قال:والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت ، فتسوّر منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدقّ الباب ، قال:واستيقظ الرجل فقال:يا فلان ، ألم آمرك؟ قال:أما من قِبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أتيت، قال:فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا هو معه في البيت ، فعرفه فقال:أعدوّ الله؟ قال:نعم أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ( وَذَا الْكِفْلِ ) قال رجل صالح غير نبيّ ، تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ، ويقيمه لهم ، ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسمي ذا الكفل.
حدثني محمد بن عمرو ، قال:ثنا أبو عاصم ، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال:ثنا الحسن ، قال:ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال:ويقضي بينهم بالحق.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال:كان في بني إسرائيل ملك صالح ، فكبر ، فجمع قومه فقال:أيكم يكفل لي بملكي هذا ، على أن يصوم النهار، ويقوم الليل ، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنـزل الله ، ولا يغضب؟ قال:فلم يقم أحد إلا فتى شاب ، فازدراه لحداثة سنه فقال:أيكم يكفل لي بملكي هذا على أن يصوم النهار، ويقوم الليل ، ولا يغضب ، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنـزل الله؟ فلم يقم إلا ذلك الفتى، قال:فازدراه ، فلما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، فقال:تعال، فخلى بينه وبين ملكه، فقام الفتى ليلة، فلما أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل، فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، فأتاه الشيطان في صورة رجل من بني آدم ، فجذب ثوبه ، فقال:أتنام والخصوم ببابك؟ قال:إذا كان العشية فأتني، قال:فانتظره بالعشيّ فلم يأته، فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، جذب ثوبه ، وقال:أتنام والخصوم على بابك؟ قال:قلت لك:ائتني العشيّ فلم تأتني ، ائتني بالعشي، فلما كان بالعشيّ انتظره فلم يأت، فلما دخل ليقيل جذب ثوبه ، فقال:أتنام والخصوم ببابك؟ قال:أخبرني من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت، قال:هو الشيطان ، جئت لأفتنك فعصمك الله مني، فقضى بين بني إسرائيل بما أنـزل الله زمانا طويلا وهو ذو الكفل ، سمي ذا الكفل لأنه تكفل بالملك.
حدثنا بشر ، قال:ثنا يزيد ، قال:ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال وهو يخطب الناس:إن ذا الكفل لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته إياه.
حدثنا ابن حميد ، قال:ثنا الحكم ، قال:ثنا عمرو ، قال:أما ذو الكفل فإنه كان على بني إسرائيل ملك، فلما حضره الموت ، قال:من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل، ولا يغضب ، ويصلي كل يوم مائة صلاة، فقال ذو الكفل:أنا، فجعل ذو الكفل يقضي بين الناس ، فإذا فرغ صلى مائة صلاة، فكاده الشيطان ، فأمهله حتى إذا قضى بين الناس ، وفرغ من صلاته وأخذ مضجعه فنام ، أتى الشيطان بابه فجعل يدقه ، فخرج إليه ، فقال:ظُلمت وصُنع بي، فأعطاه خاتمه وقال:اذهب فأتني بصاحبك، وانتظره ، فأبطأ عليه الآخر ، حتى إذا عرف أنه قد نام وأخذ مضجعه ، أتى الباب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه ، وخدش وجه نفسه فسالت الدماء ، فخرج إليه فقال:ما لك؟ فقال:لم يتبعني ، وضُربت وفعل، فأخذه ذو الكفل ، وأنكر أمره ، فقال:أخبرني من أنت؟ وأخذه أخذا شديدا ، قال:فأخبره من هو.
حدثنا الحسن ، قال:أخبرنا عبد الرزاق ، قال:أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وَذَا الْكِفْلِ ) قال:قال أبو موسى الأشعري:لم يكن ذو الكفل نبيا ، ولكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فوفى ، فكفل بصلاته ، فلذلك سمي ذا الكفل، ونصب إسماعيل وإدريس وذا الكفل ، عطفا على أيوب ، ثم استؤنف بقوله ( كُلّ ) فقال ( كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ومعنى الكلام:كلهم من أهل الصبر فيما نابهم في الله.