القول في تأويل قوله تعالى:الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
قال أبو جعفر:قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله:(الر) ، والصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (11)
* * *
وقوله:(كتاب أحكمت آياته) ، يعني:هذا الكتاب الذي أنـزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن.
* * *
ورفع قوله:"كتاب "بنيّة:"هذا كتاب ".
فأما على قول من زعم أن قوله:(الر) ، مرادٌ به سائر حروف المعجم التي نـزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالةً على جميعها، وأن معنى الكلام:"هذه الحروف كتاب أحكمت آياته "،فإن الكتاب على قوله ، ينبغي أن يكون مرفوعًا بقوله:(الر).
* * *
وأما قوله:(أحكمت آياته ثم فصلت) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم:تأويله:أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالثَّواب والعقاب.
*ذكر من قال ذلك:
17915- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، قال، أخبرني أبو محمد الثقفي، عن الحسن في قوله:(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) ، قال:أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالثواب والعقاب. (12)
17916- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن:(الر كتاب أحكمت آياته) ، قال:أحكمت في الأمر والنهى ، وفصلت بالوعيد. (13)
17917- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن رجل، عن الحسن:(الر كتاب أحكمت آياته) ، قال:بالأمر والنهي، (ثم فصلت) ، قال:بالثواب والعقاب.
* * *
وروي عن الحسن قولٌ خلاف هذا. وذلك ما:-
17918- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي بكر، عن الحسن، قال ،وحدثنا عباد بن العوام، عن رجل، عن الحسن قال:(أحكمت) ، بالثواب والعقاب، (ثم فصلت) ، بالأمر والنهي.
* * *
وقال آخرون:معنى ذلك:( أحكمت آياته ) من الباطل، ثم فصلت، فبين منها الحلال والحرام.
*ذكر من قال ذلك:
17919- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بعلمه، فبيّن حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته.
* * *
17920- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(أحكمت آياته ثم فصلت) ، قال:أحكمها الله من الباطل، ثم فَصَّلها، بيَّنها.
* * *
قال أبو جعفر:وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قولُ من قال:معناه:أحكم الله آياته من الدَّخَل والخَلَل والباطل، ثم فصَّلها بالأمر والنهي.
وذلك أن "إحكام الشيء "إصلاحه وإتقانه،و "إحكام آيات القرآن "إحكامها من خلل يكون فيها ، أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها من قِبَله. (14)
وأما "تفصيل آياته "فإنه تمييز بعضها من بعض، بالبيان عما فيها من حلال وحرام ، وأمرٍ ونهي. (15)
* * *
وكان بعض المفسرين يفسر قوله:(فصلت)، بمعنى:فُسِّرت، وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول.
*ذكر من قال ذلك:
17921- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى قال ، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:(ثم فصلت) ، قال:فُسِّرت .
17922- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(فصلت)، قال:فُسّرت.
17923-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، بلغني عن مجاهد:(ثم فصلت) ، قال:فسّرت .
17924- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17925-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17926- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقال قتادة:معناه:بُيِّنَتْ، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبلُ، وهو شبيه المعنى بقول مجاهد.
* * *
وأما قوله:(من لدن حكيم خبير)، فإن معناه:(حكيم ) بتدبير الأشياء وتقديرها، خبير بما تؤول إليه عواقبُها. (16)
17927- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله:(من لدن حكيم خبير)، يقول:من عند حكيم خبير. (17)
-------------------------
الهوامش:
(1) انظر تفسير "المس "فيما سلف ص:49 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
وتفسير "الضر "فيما سلف من فهارس اللغة ( ضرر ) .
(2) انظر تفسير "الكشف "فيما سلف 11:354 / 13:73 / 15:36 ، 205 .
(3) انظر تفسير "الخير "فيما سلف من فهارس اللغة ( خير ) .
(4) انظر تفسير "الإصابة "فيما سلف من فهارس اللغة ( صوب ) .
(5) انظر تفسير "الغفور "و "الرحيم "فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) ، ( رحم ) .
(6) انظر تفسير "الاهتداء "فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .
(7) انظر تفسير "الضلال "فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلل ) .
(8) انظر تفسير "وكيل "فيما سلف 12:33 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(9) انظر تفسير "الحكم "فيما سلف 12:561 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(10) عند هذا الموضع ، انتهى جزء من التقسيم القديم ، وفي مخطوطتنا بعد هذا ما نصه:
"آخر تفسير سورة يونس عليه السلام والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله .
يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها هود ".
يتلوه:
"بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسِّرْ "
(11) انظر ما سلف 1:205 - 224 / 6:149 - 12:293 ، 294 / 15:7 .
(12) الأثر:17915 - "أبو محمد الثقفي "، الراوي عن الحسن ، لم أعلم من يكون .
(13) الأثر:17916 - "عبد الكريم بن محمد الجرجاني "، قاضي جرجان ، روى عن قيس بن الربيع ، وأبي حنيفة ، وزهير بن معاوية ، وابن جريج ، وغيرهم . روى عنه أبو يوسف القاضي ، وابن عيينة ، وهما أكبر منه ، والشافعي ، وغيرهم . مات سنة نيف وسبعين ومائة ، فلا أدري أيدرك محمد بن حميد أن يروي عنه أم لا ؟ مترجم في التهذيب .
(14) انظر تفسير "الإحكام "فيما سلف 6:170 ، 174 - 182 .
(15) انظر تفسير "تفصيل الآيات "فيما سلف ص:91 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير "حكيم "و "خبير "فيما سلف من فهارس اللغة ( حكم ) ، ( خبر ) .
(17) انظر تفسير "من لدن "فيما سلف 6:362 .