القول في تأويل قوله تعالى:يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال:ثنا عتاب بن بشير، عن خَصِيف، عن فُرات بن ثعلبة البهراني في قوله ( إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) قال:إن رجلين كانا شريكين، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار، وكان أحدهما له حرفة، والآخر ليس له حرفة، فقال الذي له حرفة للآخر:ليس لك حرفة، ما أُراني &; 21-46 &; إلا مفارقك ومُقاسمك، فقاسمه وفارقه; ثم إن الرجل اشترى دارًا بألف دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه، فقال:كيف ترى هذه الدار ابتعتُها بألف دينار؟ قال:ما أحسنها; فلما خرج قال:اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار، وإني أسألك دارًا من دور الجنة، فتَصَدَّقَ بألف دينار; ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار، فدعاه وصنع له طعاما; فلما أتاه قال:إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار; قال:ما أحسن هذا; فلما انصرف قال:يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار، وإني أسألك امرأة من الحُور العين، فتصدق بألف دينار; ثم إنه مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه فأراه، فقال:إني ابتعت هذين البستانين، فقال:ما أحسن هذا; فلما خرج قال:يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار، وأنا أسألك بستانين من الجنة، فتصدقَ بألفي دينار; ثم إن الملك أتاهما فتوفَّاهما; ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارًا تعجبه، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حُسنها، ثم أدخله بستانين، وشيئا الله به عليم، فقال عند ذلك:ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا. قال:فإنه ذاك، ولك هذا المنـزل والبستانان والمرأة. قال:فإنه كان لي صاحب يقول:( أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ) قيل له:فإنه في الجحيم، قال:فهل أنتم مُطَّلِعون ؟ فاطَّلَعَ فرآه في سواء الجحيم، فقال عند ذلك:تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. ...الآيات. وهذا التأويل الذي تأوله فرات بن ثعلبة يقوي قراءة من قرأ "إنَّكَ لَمِنَ المُصَّدِّقِينَ"بتشديد الصاد بمعنى:لمن المتصدقين، لأنه يذكر أن الله تعالى ذكره إنما أعطاه ما أعطاه على الصدقة لا على التصديق، وقراءة قراء الأمصار على خلاف ذلك، بل قراءتها بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى:إنكار قرينه عليه التصديق أنه يبعث بعد الموت، كأنه قال:أتصدق بأنك تبعث بعد مماتك، وتُجْزَى بعملك، وتحاسَب؟.