القول في تأويل قوله:قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا
قال أبو جعفر:وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره:قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (1) =(قد خلت من قبلكم)، يقول:قد سلفت من قبلكم (2) ="من الجن والإنس في النار "، ومعنى ذلك:ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلتمن قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ"الأمم "، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة =(كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول جل ثناؤه:كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها, يقول:شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. (3)
وإنما عنى بـ"الأخت "، الأخوة في الدين والملة، وقيل:"أختها "، ولم يقل:"أخاها ",لأنه عنى بها "أمة "وجماعة أخرى, كأنه قيل:كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14592- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:(كلما دخلت أمة لعنت أختها)، يقول:كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين, (5) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ, تلعن الآخرةُ الأولى.
* * *
القول في تأويل قوله:حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا, يعني اجتمعت فيها.
* * *
يقال:"قد ادَّاركوا "، و "تداركوا "، إذا اجتمعوا. (6)
* * *
يقول:اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم.
* * *
القول في تأويل قوله:قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)
قال أبو جعفر:وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره:فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا, قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا:ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان, فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:-
14593- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:"قالت أخراهم "، الذين كانوا في آخر الزمان ="لأولاهم "، الذين شرعوا لهم ذلك الدين =(ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)
* * *
وأما قوله:(قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم, يقول:قال الله للذينيدعونه فيقولون:"ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار "=:لكلكم, أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم ="ضعف ",يقول:مكرر عليه العذاب.
* * *
و "ضعف الشيء "، مثله مرة.
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
14594- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله:(عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف)، مضعّف.
14595- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14596- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال الله:(لكل ضعف)، للأولى، وللآخرة ضعف.
14597- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله:(ضعفًا من النار)، قال:أفاعي.
14598- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن السدي, عن مرة, عن عبد الله:(فآتهم عذابًا ضعفًا من النار)، قال:حيّات وأفاعي.
* * *
وقيل:إن "المضَعَّف "، في كلام العرب، ما كان ضعفين، (7) و "المضاعف "، ما كان أكثر من ذلك.
* * *
وقوله:(ولكن لا تعلمون)، يقول:ولكنكم، يا معشر أهل النار, لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب, فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى.
------------------
الهوامش:
(1) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص:405 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(2) انظر تفسير (( خلا )) فيما سلف 3:100 ، 128 / 4:289 / 7:228 .
(3) انظر تفسير (( اللعن )) فيما سلف 10:489 ، تعليق:1 .
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1:378 .
(5) في المطبوعة والمخطوطة:(( كلما دخلت أهل ملة )) ، والصواب ما أثبت .
(6) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:214 ، وفي نصه زيادة حسنة:(( ويقال:تدارك لي عليه شيء ، أي اجتمع لي عنده شيء . وهو مدغم التاء في الدال ، فثقلت الدال )) .
(7) في المطبوعة:(( الضعف ، في كلام العرب )) ، والصواب من المخطوطة .