ثم حكى- سبحانه- ما قاله نوح للمؤمنين عند ركوبهم السفينة فقال:وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
ومجريها ومرساها، قرأهما الجمهور بضم الميمين فيهما، وهما مصدران من جرى وأرسى.
والباء في باسم الله للملابسة، والآية الكريمة معطوفة على جملة، قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.
أى:قلنا له ذلك فامتثل أمرنا، وقال لمن معه من المؤمنين:سلموا أمركم لمشيئة الله- تعالى- وقولوا عند ركوب السفينة:باسم الله جريها في هذا الطوفان العظيم، وباسم الله إرساءها في المكان الذي يريد الله- تعالى- إرساءها فيه.
قال الشيخ الفاضل ابن عاشور:وعدى فعل ارْكَبُوا بفي، جريا على الأسلوب الفصيح، فإنه يقال:ركب الدابة إذا علاها. وأما ركوب الفلك فيعدى بفي، لأن إطلاق الركوب عليه مجاز، وإنما هو جلوس واستقرار، فلا يقال:ركب السفينة فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له، وهي تفرقة حسنة» .
وجملة إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للأمر بالركوب المصاحب لذكر الله- تعالى-:
أى:إن ربي لعظيم المغفرة ولعظيم الرحمة لمن كان مطيعا له مخلصا في عبادته.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه:يقول الله- تعالى- إخبارا عن نوح أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها ...
وقال- سبحانه- في موضع آخر:فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.
ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور:عند الركوب في السفينة وعلى الدابة.
فقد روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أمان أمتى من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا:بسم الله الملك.. بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم» .