ولكن لوطا- عليه السلام- مع شناعة قولهم هذا، لم ييأس من محاولة منعهم عما يريدونه من ضيوفه، فأخذ يرشدهم إلى ما تدعو إليه الفطرة السليمة فقال:هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.
والمراد ببناته هنا:زوجاتهم ونساؤهم اللائي يصلحن للزواج. وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أب لأمته من حيث الشفقة والرعاية وحسن التربية.
قال ابن كثير ما ملخصه:يرشد لوطا- عليه السلام- قومه إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم، كما قال- تعالى- في آية أخرى:أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ .
وقيل المراد ببناته هنا:بناته من صلبه، وأنه عرض عليهم الزواج بهن.
ويضعف هذا الرأى أن لوطا- عليه السلام- كان له بنتان أو ثلاثة كما جاء في بعض الروايات، وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيرا، كما يرشد إليه قوله- تعالى- وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج بهن؟
قال الإمام الرازي في ترجيح الرأى الأول ما ملخصه:«وهذا القول عندي هو المختار، ويدل عليه وجوه منها:أنه قال هؤلاء بناتي.. وبناته اللاتي من صلبه لا تكفى هذا الجمع العظيم، أما نساء أمته ففيهم كفاية للكل، ومنها:أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما:
«زنتا وزاعورا» وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة» .
والمعنى:أن لوطا- عليه السلام- لما رأى هيجان قومه، وإصرارهم على ارتكاب الفاحشة مع ضيوفه، قال لهم على سبيل الإرشاد إلى ما يشبع الفطرة السليمة:يا قوم هؤلاء نساؤكم اللائي هن بمنزلة بناتي، فاقضوا معهن شهوتكم إن كنتم فاعلين لما أرشدكم إليه من توجيهات وآداب.
وعبر بإن في قوله إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ لشكه في استجابتهم لما يدعوهم إليه فكأنه يقول لهم:إن كنتم فاعلين لما أطلبه منكم، وما أظنكم تفعلونه لانتكاس فطرتكم، وانقلاب أمزجتكم..
وجواب الشرط محذوف، أى:إن كنتم فاعلين ما أرشدكم إليه فهو خير لكم.