وقوله - سبحانه -:( لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بالعرآء وَهُوَ مَذْمُومٌ . . ) .
استئناف لبيان جانب من فضله - تعالى - على عبده يونس - عليه السلام - .
و ( لَّوْلاَ ) هنا حرف امتناع لوجود ، و ( أَن ) يجوز أن تكون مخففة من ( أَن ) الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهو محذوف ، وجملة ( تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) خبرها .
ويجوز أن تكون مصدرية ، أى:لولا تدارك رحمة من ربه .
والتدارك:تفاعل من الدرك - بفتح الدال - بمعنى اللحاق بالغير . والمقصود به هنا:المبالغة فى إدراك رحمة الله - تعالى - لعبده يونس - عليه السلام - .
قال الجمل:قرأة العامة:( تَدَارَكَهُ ) وهو فعل ماضى مذكر ، حمل على معنى النعمة ، لأن تأنيثها غير حقيقى ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود:تدراكه - على لفظ النعمة - وهو خلاف المرسوم .
والمراد بالنعمة:رحمته - سبحانه - بيونس - عليه السلام - وقبول توبته ، وإجابة دعائه . .
والنبذ:الطرح والترك للشئ ، والعراء:الأرض الفضالة الخالية من النبات وغيره .
والمعنى:لولا أن الله - تدارك عبده يونس برحمته ، وبقبول توبته . . لطرح من بطن الحوت بالأرض الفضاء الخالية من النبات والعمران . . وهو مذموم ، أى:وهو ملوم ومؤاخذ منا على ما حدث منه . .
ولكن ملامته ومؤاخذته منا قد امتنعت ، لتداركه برحمتنا ، حيث قبلنا توبته ، وغسلنا حوبته ، ومنحناه الكثير من خيرنا وبرنا . .
فالمقصود من الآية الكريمة بيان جانب من فضل الله - تعالى - على عبده يونس - عليه السلام - ، وبيان أن رحمته - تعالى - به ، ونعمته عليه ، قد حالت بينه ويبن أن يكن مذموما على ما صدر منه ، من مغاضبة لقومه ومفارقته لهم بدون إذن من ربه . .
قال الجمل ما ملخصه:قوله:( وَهُوَ مَذْمُومٌ ) أى:ملوم ومؤاخذ بذنبه والجملة حال من مرفوع "نُبِذ "وهى محط الامتناع المفاد بلولا ، فهى المنفية لا النبذ بالعراء . .
أى:لنبذ بالعراء وهو مذموم ، لكنه رُحِم فنبذ غير مذموم . .
فلولا - هنا - ، حرف امتناع لوجود ، وأن الممتنع القيد فى جوابها لا هو نفسه . .