ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت:
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ، وَالْجَرادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.
أى:فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان.
قال الآلوسى:أى:ما طاف بهم، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل، فهو اسم جنس من الطواف. وقد اشتهر في طوفان الماء، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به» .
وأرسلنا عليهم الْجَرادَ فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة.
وأرسلنا عليهم الْقُمَّلَ وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية، وقيل:هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم.
وأرسلنا عليهم الضَّفادِعَ فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم.
وأرسلنا عليهم الدَّمَ فصارت مياه الأنهار مختلطة به، فمات السمك فيها، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم.
تلك هي النقم التي أنزلها الله- تعالى- على هؤلاء المجرمين، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، وتكذيبهم لنبيهم- عليه السلام-.
وقوله:آياتٍ حال من العقوبات الخمس المتقدمة.
وقوله:مُفَصَّلاتٍ أى:مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون.
وقيل مُفَصَّلاتٍ أى:مميزا بعضها عن بعض، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم. وكان بين كل اثنين منها شهر، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس:
ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت:
فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى- عليه السلام- وعما جاء به من معجزات، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق.