نزلت عليهم آيات قاهرة أشد من الأولى بسبب إصرارهم على الكفر ، وقد ذكرها الله تعالى بقوله:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ( 133 )} وأرسلنا:بمعنى أنزلنا قاصدين كأن هذه مرسلة من عندنا ، والطوفان هو المطر الشديد ، وفيضان النيل الطاغي الذي أغرق الزرع ، وأهلك النسل ، وهدم البيوت ، وما كان لفرعون طاقة على إنجائهم والسيل قد طم ، وحزب ، وصار عبثا ، لا غيثا .
والجراد ، هو الطير الصغير المعروف الذي يأكل الزرع ، ويفسده ، وخصوصا ما كان قوتا ، فإنه يسلط على القمح ، والشعير ، والأرز ، ويتعدى طعام الإنسان إلى طعام الحيوان .
وبعد البلاء في زرعهم وحرثهم ونسلهم كان البلاء في أجسامهم ، فسلط عليهم القمل ، وهي دويبة صغيرة ، وقال ابن عباس:القمل:السوس ، وهو يصيب الزرع المخزون لأكلهم فيصيبهم ، وقيل:إنه القمل المعروف الذي هو داء في الأجسام ومرض من الأمراض .
والضفادع جمع ضفدع ، وهي الحيوان المعروف ، كثرت وكثر ضجيجها حتى أزعجتهم ، وأفسدت زرعهم ، وملأت أرضهم فكانت الحياة مع هذه الكثرة حياة شاقة شديدة لا تحتمل .
والدم ، قالوا:إن النيل صار ماؤه دما ، ومات السمك فيه ، فأصبح لا يسقي ، بل يميت ، وإنا لا نعترض على ذلك التفسير ، وقد روي عن بعض الصحابة ، ولم نر فيه حديثا صحيحا ، يذعن المفسر لمثله ، ولكن صريح اللفظ أنه الدم ، ولعل الله تعالى اختبرهم بذلك وقتا وإن لم يكن طويلا ، ولكنه أراهم آياته مفصلات ، ويصح تفسير الدم بمرض أصيبوا به كرعاف ونزيف وضغط .
ولقد قال الكثرة من المفسرين:إن الله تعالى اختبرهم أولا بالطوفان الذي خرب ديارهم ، وأفسد زرعهم فدعوا الله أن يكشف ذلك عنهم ، ودعا لهم موسى ووعدوه بأن يؤمنوا إذا كشف عنهم الضر ، فكشف فلم يؤمنوا ، فأصيبوا بالجراد فطلبوا أن يدعوا لهم فإذا كشف عنهم آمنوا ، فكشف فلم يؤمنوا ، ثم اختبرهم بالضفادع كذلك ، وبالدم كذلك ولم يؤمنوا واستكبروا وكانوا قوما مجرمين .
والاستكبار عن الحق سبيل الضلال والوقوع في الذل ، وقوله تعالى:{ وكانوا قوما مجرمين} فيه تسجيل الإجرام والعتو ، عليهم ، وقد أكد – سبحانه وتعالى – إجرامهم واستمرارهم على الإجرام ، وسيطرة الأخلاق الفرعونية عليهم ، وإنها فساد كلها ، يصيب النفس ، فلا تنخلع منه ، والنوازل تصيب نفوسهم ، ولا تصل إلى أعماقها ولا تجتث الشر منها ، ككل من امتلأت نفوسهم بالشر ، فإنه يكون لونا من ألوانها لا تمحوه عظة ولا يدفعه بلاء .