وقوله:أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ تكرير لمجموع الإنكارين السابقين، جمعا بين التفريق قصدا إلى زيادة التحذير والإنذار.
والمكر في الأصل الخداع، ويطلق على الستر يقال:مكر الليل أى:ستر بظلمته ما هو فيه، وإذا نسب إليه- سبحانه- فالمراد به استدراجه للعبد العاصي حتى يهلكه في غفلته تشبيها لذلك بالخداع.
قال صاحب الكشاف:فإن قلت:فلم رجع فعطف بالفاء قوله:أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ؟
قلت:هو تكرير لقوله:أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ومكر الله:استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر ولاستدراجه، فعلى العاقل أن يكون في خوفه من مكر الله كالمحارب الذي يخاف من عدوه الكمين والبيات والغيلة. وعن الربيع بن خثعم أن ابنته قالت له:مالي أراك لا تنام والناس ينامون؟ فقال:يا بنتاه إن أباك يخاف البيات. أراد قوله:أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً.
والمعنى:أفأمنوا مكر الله وتدبيره الخفى الذي لا يعلمه البشر فغفلوا عن قدرتنا على إنزال العذاب بهم بياتا أو ضحوة؟ لئن كانوا كذلك فهم بلا ريب عن الصراط لناكبون، وعن سنن الله في خلقه غافلون، فإنه فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ أى:إلا القوم الذين خسروا أنفسهم وعقولهم، ولم يستفيدوا شيئا من أنواع العبر والعظات التي بثها الله في أنحاء هذا الكون.
هذا، ويرى الإمام الشافعى وأتباعه أن الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر، لأنه استرسال في المعاصي اتكالا على عفو الله.
وقال الحنفية إن الأمن من مكر الله كفر كاليأس، لقوله- تعالى-:إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ وقوله:فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.