وقوله:( فالمدبرات أَمْراً ) المقصود به طائفة خامسة من الملائكة ، من وظائفهم تدبير شأن الخلائق ، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التى يأمرهم - سبحانه - بها ، فنسبة التدبير إليهم ، إنما هى على سبيل المجاز ، لأن كل شئ فى هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره .
والمراد بالأمر:الشأن والغرض المهم ، وتنوينه للتعظيم ، ونصبه على المفعولية للفظ المدبرات . أى:وحق الملائكة الذين يرتبون شئون الخلائق ، وينظمون أمورهم بالطريقة التى يكلفهم - سبحانه - بها .
وجاء العطف فى قوله:( فالسابقات ) ( فالمدبرات ) بالفاء ، للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها بغير مهلة . وللإِيذان بأن هاتين الصفتين متفرعتين عما قبلهما .
وعلى هذا التفسير الذى سرنا فيه على أن هذه الصفات لموصوف واحد ، سار كثير من المفسرين:فصاحب الكشاف صدر تفسيره لهذه الآيات بقوله:أقسم - سبحانه - بطوائف الملائكة ، التى تنزع الأرواح من الأجساد وبالطوائف التى تنشطها ، أى تخرجها . . بالطوائف التى تسبح فى مضيها ، أى:تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم فى دنيهم ودنياهم ، كما رسم الله - تعالى - لهم . . وأسند التدبير إليهم - أى إلى الملائكة - لأنهم من أسبابه .
وقال الشوكانى:أقسم - سبحانه - بهذه الأشياء التى ذكرها ، وهى الملائكة التى تنزع أرواح العباد عن أجسادهم ، كما ينزع النازع القوس فيبلغ بها غاية المد ، وكذا المراد بالناشطات ، والسابحات ، والسابقات ، والمدبرات ، يعنى الملائكة ، والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفى ، منزلة التغاير الذاتى ، كما فى قول الشاعر:
إلى الملك القرم ، وابن الهام ... وليث الكتيبة فى المزدحم
وهذا قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم . .
ومنهم من يرى أن المراد بالنازعات:النجوم تنتقل من مكان إلى مكان ، أو الأقواس التى تنزع السهام ، أو الغزاة ينزعون من دار الإِسلام إلى دار الحرب . .
ومنهم من يرى أن المراد بالناشطات:الكواكب السيارة ، أو السفن التى تمخر عباب الماء . . وأن المراد بالسابحات والسابقات:النجوم ، أو الشمس والقمر ، والليل والنهار . .
أما المدبرات فقد أجمعوا على أن المراد بها الملائكة .
قال الجمل:اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الكلمات ، هل هى صفات لشئ واحد ، أو لأشياء مختلفة ، على أوجه:واتفقوا على أن المراد بقوله:( فالمدبرات أَمْراً ) وصف لشئ واحد ، وهم الملائكة .
ويبدو لنا أن كون هذه الصفات جميعها لشئ واحد ، هو الملائكة ، أقرب إلى الصواب لأنه المأثور عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .