/م1
التّفسير:
نتيجة الولاء لأعداء الله:
علمنا ممّا تقدّم أنّ سبب نزول الآيات السابقة هو التصرّف المشين الذي صدر من أحد المسلمين ( حاطب بن أبي بلتعة ) ورغم أنّه لم يكن قاصداً التجسّس إلاّ أنّ عمله نوع من إظهار المودّة لأعداء الإسلام ،فجاءت الآيات الكريمة تحذّر المسلمين من تكرار مثل هذه التصرّفات مستقبلا وتنهاهم عنها .
يقول سبحانه في البداية:{يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} مؤكّداً أنّ أعداء الله وحدهم هم الذين يضمرون العداء للمؤمنين والحقد عليهم ،ومع هذا التصوّر فكيف تمدّون يد الصداقة والودّ لهم ؟ .
ويضيف تعالى:{تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا بالله ربّكم}{[5229]} .
إنّهم يخالفونكم في العقيدة ،كما أنّهم شنّوا عليكم الحرب عمليّاً ،ويعتبرون إيمانكم باللهالذي هو أكبر فخر لكم وأعظم قداسة تجلّلكمغاية الجرم وأعظم الذنب ،ولهذا السبب قاموا بإخراجكم من دياركم وشتّتوكم من بلادكم ..ومع هذه الأعمال التي مارسوها معكم ،هل من المناسب إظهار المودّة لهم ،والسعي لإنقاذهم من يد العدالة والجزاء الإلهي على يد المقاتلين المسلمين المقتدرين ؟ .
ثمّ يضيف القرآن الكريم موضّحاً:{إن كنتم خرجتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي}{[5230]} فلا تعقدوا معهم أواصر الولاء والودّ .
فإذا كنتم ممّن تدّعون حبّ الله حقّاً ،وهاجرتم من دياركم لأجله سبحانه وترغبون في الجهاد في سبيله طلباً لرضاه تعالى ،فإنّ هذه الأهداف العظيمةلا يناسبها إظهار الولاء لأعداء الله سبحانه .
ثمّ يضيف عزّ وجلّ للمزيد من الإيضاح فيقول:{تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم}{[5231]} .{[5232]}
وبناءً على هذا فما عسى أن يغني الإخفاء وهو واقع بعلم الله في الغيب والشهود ؟ .
وفي نهاية الآية نجد تهديداً شديداً لمن يجانب السبيل الذي أمر به الله سبحانه بقوله:{ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السبيل} .
فمن جهة انحرف عن معرفة الله تعالى بظنّه أنّ الله لا يعلم ولا يرى ما يصنع ،وكذلك انحرف عن طريق الإيمان والإخلاص والتقوى ،حينما يعقد الولاء وتقام أواصر المودّة مع أعداء الله ،وبالإضافة إلى ذلك فانّه وجّه ضربة قاصمة إلى حياته حينما أفشى أسرار المسلمين إلى الأعداء ،ويمثّل ذلك أقبح الأعمال وأسوأ الممارسات حينما يسقط الشخص المؤمن بهذا الوحل ويقوم بمثل هذه الأعمال المنحرفة بعد بلوغه مرتبة الإيمان والقداسة .