بسم الله الرحمن الرحيم
{المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون1 الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون2 وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون3 وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون4} .
المفردات:
المر: هذه الحروف للتحدي والإعجاز ،أو هي مما استأثر الله بعلمه ،أو هي لافتتاح الكلام ،أو أسماء للسور ،وقيل: هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته ،ويجوز أن تشمل على جميع المعاني التي ذكرها العلماء في تفسيرها .
التفسير:
1{المر ...} .
سبق أن ذكرنا: عدة آراء في تفسير الأحرف المقطعة في فواتح السور ،ومجملها ما يأتي:
( أ ) أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه .
( ب ) أنها فواتح للسور .
( ج ) أنها للتحدي والإعجاز ،وبيان: أن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثل هذا القرآن ،مع أنه مؤلف من حروف عربية ينطقون بها ؛فدل ذلك: على أن القرآن ليس من صنع بشر ،ولكنه تنزيل من حكيم حميد .
{تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} .
أي: هذه آيات هذه السورة من الكتاب ،أو هذه آيات القرآن البالغ حد الكمال ،المستغنى عن الوصف ؛الجدير بأن يختص باسم الكتاب .
{والذي أنزل إليك من ربك الحق} .أي: كل القرآن الذي أنزله إليك حق لا شك فيه ،لا يلتبس به باطل ،ولا يحوم حول صحته شك أو التباس ،وهذا التعبير جار على سنن العرب في تخاطبهم ،حيث يميلون إلى الإجمال بعد التفصيل ،سئلت فاطمة الأنمارية عن بنيها: أيهم أفضل فقالت: ربيعة ،بل عماره ،بل قيس ،بل أنس ،ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل ،هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفها .
فبعد أن أثبتت الفضل لكل منهم على سبيل التعيين ،أجملت القول ،وأثبتت لهم الفضل جميعا .
وكذلك هنا عندما قال:{تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق} .
أي: تلك آيات هذه السورة ،التي تستعرض آيات القدرة وعجائب الكون ،وحقائق القيامة ،والقرآن كله حق لا ريب فيه ،وصدق لا شك فيه .
{ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} .
أي: لانطماس بصائرهم ،واستيلاء العناد على نفوسهم ؛فهم لذلك لا يصدقون بما أنزل عليك ،ولا يقرون بهذا القرآن ،وما اشتمل عليه من بديع الأمثال والحكم والأحكام التي تناسب مختلف العصور والأزمان ،والتي لو سار عليها الناس ؛لسعدوا في الدنيا والآخرة .