بسم الله الرحمان الرحيم:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفَالِ قُلِ الأنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( 1 ) إنمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياته زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 2 ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( 3 ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( 4 )}
المفردات:
الأنفال: هي الغنائم واحدها: نفل بتحريك الفاء ،وقد تطلق على ما يعطى زيادة على السهم من المغنم .
فاتقوا الله: فاجعلوا لأنفسكم وقاية من عقوبة الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح .
وأصلحوا ذات بينكم: وأصلحوا الأحوال التي بينكم بالمساواة والمساعدة ،وقال الزجاج: معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم ،والدين: الوصل أي: فاتقوا الله وكونوا مجمعين على ما أمر الله ورسوله .
التفسير:
1 –{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفَالِ قُلِ الأنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُول ....} الآية .
سبب النزول:
روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت بدرا فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو ،فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ،وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ،وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لكي لا يصيب العدو منه غرّة ،حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ،قال الذين جمعوا الغنائم:
نحن حويناها وجمعناها ،فليس لأحد فيها نصيب ،وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم ،وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به ؛فنزلت:{يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ...} فقسمها رسول الله –صلى الله عليه وسلم – بين المسلمينiii .
وهناك روايات أخرى تفيد أن نزاعا ما ،قد ظهر بين المسلمين حول توزيع الغنائم فأنزل الله هذه الآيات لبيان حكمه فيها .
والأنفال: جمع نفل وهو الزيادة ،ولذا قيل للتطوع: نافلة ؛لأنه زيادة على الأصل ،وقيل لولد الولد: نافلة ،لأنه زيادة على الولد .قال تعالى:{ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} . ( الأنبياء: 72 ) .
وإطلاق الأنفال على الغنائم باعتبار أنها زيادة على ما شرع الجهاد له ،وهو إعلاء كلمة الله ،أو باعتبار أنها زيادة خص الله بها هذه الأمة .
روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وأحلت لي الغنائم ،ولم تحل لنبي قبلي ،وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ،وأعطيت الشفاعة ،وأرسل كل نبي إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "iv .
وجمهور العلماء على أن المقصود من سؤال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم – أي: الغنائم – إنما هو عن حكمها وعن المستحق لها .
فيكون المعنى: يسألك بعض أصحابك يا محمد عن غنائم بدر كيف تقسم ومن المستحق لها ؟قل لهم: الأنفال لله يحكم فيها بحكمه ،ولرسوله يقسها بحسب حكم الله فيها ،فهو سبحانه العليم بمصالح عباده ،الحكيم في جميع أقواله وأفعاله .
وبعض العلماء يرى أن السؤال للاستعطاء ،وأن حرف"عن "زائد ،أو هو بمعنى من ،فيكون المعنى: يسألك بعض أصحابك يا محمد إعطاءهم الأنفال ،ويطلبون منك توزيع الغنائم عليهم .
وقد رجح جمهور العلماء أن السؤال هنا للاستفهام عن حكم الأنفال وعن طريقة توزيعها ،وذكر الآلوسي في تفسيره طائفة من الأمور ترجح رأى جمهور العلماء .
وقد ورد في أسباب النزول روايات تفيد أن الشباب سارعوا إلى قتال الكفار ،وأن الشيوخ وكبار السن وقفوا تحت الرايات ردءا وعونا أشبه بالخط الثاني للمقاتلين .
وأن الشباب كانوا يرون أنهم أولى بالغنائم ؛لأنهم باشروا القتال ،والشيوخ يرون أن لهم حقا يماثل حق الشباب ؛لأن الشباب لو انهزموا لانحازوا للشيوخ وصار الشيوخ حماية وعونا للشباب ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:"من قتل قتيلا فله سبله "أي: أن الشاب المقاتل يستحق أن يغنم غنيمته من الكافر الذي قتله ،فظن الشباب أن هذا يجعلهم يستولون على الغنائم وحدهم .
ثم بين الله تعالى حكمة توزيع الغنائم على جميع جيش المسلمين سواء الشباب الذين باشروا القتال ،أو الشيوخ الذين كانوا عونا وردءا ،أو المجموعة التي تجصنت لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه ،فكل فئة كان لها ضلع في نجاح المعركة .
قال الزمخشري في تفسير الكشاف:
فإن قلت: ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله:{قل الأنفال لله والرسول} .
قلت: معناه: أن حكمها مختص بالله ورسوله ،يأمر بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ،ويمتثل الرسول أمر الله فيها ،وليس الأمر في قسمتها فوضا إلى رأى أحد ،والمراد: أن الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله ،أو يواسي المقاتلة المشروط لهم التنفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات ،فيقاسموهم على السوية ولا يستأثروا بما شرط لهم ،فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي ...
{فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .
أي: إذا كان أمر الغنائم لله تعالى ورسوله ،فاتقوه تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخط الله تعالى ،أو فاتقوه تعالى في كل ما تأتون وتذرون من النيات والعقائد والأعمال .
{وأصلحوا ذات بينكم} .أي: وأصلحوا ما بينكم من الأحوال والصلات التي تربط بعضكم ببعض وإصلاحها بالوفاق والتعاون والمساواة وترك الأثرة ؛لأن إصلاح ذات البين واجب ،يتوقف عليه قوة الأمة وعزتها ومنعتها ،وتحفظ به وحدتها .
{وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} .أي: الزموا طاعة الله ورسوله طاعة مطلقة وتسليما مطلقا فذلك هو شأن المؤمنين ؛إذ لا إيمان بغير طاعة وتسليم .
وفي التعبير بقوله:{إن كنتم مؤمنين} .تنشيط للمخاطبين وحث لهم على المسارعة إلى الامتثال .
عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال:"فينا معشر أصحاب بدر ،نزلت حين اختلفنا في النفل ،وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه عن بواء – يقول على السواء "v .
وعن عطاء: كان الإصلاح بينهم أن دعاهم وقال: اقسموا غنائمكم بالعدل .
ولا يفهم من ذلك أن الاختلاف على الغنائم كان أمرا عاما شمل جميع المسلمين ،بل كان بين فئات منهم ،وكانت هذه أول غزوة ولم يكن قد نزل حكم بشأن الغنائم ،فأنزل الله كتابة الكريم ليبين لهم أن الغنائم لله سبحانه يحكم فيها بما يشاء ،ورسوله مبلغ عن الله ،وعلى المسلمين أن يراقبوا ربهم وأن يعودوا إلى طريق المودة والمحبة والصلح ؛فإن كمال الإيمان يدور على امتثال هذه الأوامر .
وقد عاد المسلمون فعلا إلى الإيمان والتسليم ،ووزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بين جميع من شهد بدرا من الشباب والشيوخ ،ومن جمع الغنائم ومن انشغل بأي أمر آخر ،فالكل كان يؤدي اجبه بطريقة ما ،ولا غنى لأحد فيهم عن الآخر .
وقد أتم الله التشريع في شأن الغنائم ،بالآية 41 من سورة الأنفال ،وفيها بين الله تعالى أن الغنائم تقسم إلى خمسة أخماس ،خمس لليتامى والمساكين وابن السبيل ،والأربعة أخماس الباقية من الغنيمة تقسم على الغانمين الذين حضروا المعركة .
قال تعالى:{واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} .
قال الشافعي: إن الخمس يقسم على خمسة ،وإن وسهم الله وسهم رسوله واحد يصرف في مصالح المؤمنين ،والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورة في الآية .
وقال أبو حنيفة: إنه يقسم الخمس على ثلاثة: لليتامى والمساكين وابن السبيل ،وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته كما ارتفع حكم سهمه .
/خ4