تفسير سورة الكوثر وهي مدنية ، وقيل:مكية .
قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال:أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم وإما قالوا له:لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه أنزلت علي آنفا سورة ". فقرأ:بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، قال:"هل تدرون ما الكوثر ؟ "، قالوا:الله ورسوله أعلم . قال:"هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول:يا رب ، إنه من أمتي . فيقال:إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".
هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، وهذا السياق .
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، وأن عليه آنية عدد نجوم السماء . وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق محمد بن فضيل وعلي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس . ولفظ مسلم قال:"بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا:ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال:"أنزلت علي آنفا سورة "، فقرأ:بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال:"أتدرون ما الكوثر ؟ "قلنا:الله ورسوله أعلم . قال:"فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم ، فأقول:رب إنه من أمتي . فيقول:إنك لا تدري ما أحدث بعدك ".
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .
فأما قوله تعالى:( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة . وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال:حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يشق شقا ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذفرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ "
وقال الإمام أحمد أيضا:حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت:ما هذا يا جبريل ؟ قال:هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل ".
ورواه البخاري في صحيحه ، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال:لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال:"أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت:ما هذا يا جبريل ؟ قال:هذا الكوثر ". وهذا لفظ البخاري رحمه الله .
وقال ابن جرير:حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال:سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال:لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك . قال:"يا جبريل ، ما هذا النهر ؟ قال:هو الكوثر الذي خبأ لك ربك ".
وقد تقدم [ في] حديث الإسراء في سورة "سبحان "، من طريق شريك ، عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم] وهو مخرج في الصحيحين .
وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقال الملك الذي معه:أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله . وضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك "وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم ، عن قتادة به .
وقال ابن جرير:حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال:"هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه] أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر ". فقال أبو بكر:يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال:"أكلها أنعم منها ".
وقال أحمد:حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس أن رجلا قال:يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال:"نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر ". قال عمر:يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال:"أكلها أنعم منها يا عمر ".
رواه ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس:أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء .
وقال البخاري:حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال:سألتها عن قوله تعالى:( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت:نهر [ عظيم] أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم .
ثم قال البخاري:رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .
ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عن عائشة قالت:الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل:نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .
وحدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية عن شقيق - أو مسروق - قال:قلت لعائشة:يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت:نهر في بطنان الجنة . قلت:وما بطنان الجنة ؟ قالت:وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح عن عائشة قالت:من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .
وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات:"عن رجل ، عنها ". ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .
قال السهيلي:ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مغول ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال البخاري:حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر:هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر:قلت لسعيد بن جبير:فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ؟ فقال سعيد:النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .
ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:الكوثر:الخير الكثير .
[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:الكوثر:الخير الكثير] .
وهذا التفسير يعم النهر وغيره ; لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر ، كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دثار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد:هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .
وقال عكرمة:هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير:
حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:الكوثر:نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .
وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو ذلك .
وقال ابن جرير:حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر أنه قال:الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .
وكذا رواه الترمذي ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد:حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب] ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ".
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب به مرفوعا ، وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقال ابن جرير:حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال:قال لي محارب بن دثار:ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت:حدثنا عن ابن عباس أنه قال:هو الخير الكثير . فقال:صدق والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال:لما نزلت:( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت ".
وقال ابن جرير:حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت:خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت:يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ; أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال:"أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ ".
حرام بن عثمان ضعيف . ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا] .
وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة . وقال عطاء:هو حوض في الجنة .