قوله: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) النزع ،معناه القلع ؛أي قلع الله من قلوب المؤمنين يوم القيامة في الجنة ما كان يستكن فيها من حقد على غيرهم من المؤمنين وهم في الدنيا .فإن كان لأحدهم غل ( حقد ) في الدنيا على آخر ؛نزع الله ذلك من قلبه في الجنة ؛لتكون بذلك نفوس المؤمنين جميعا طيبة لا يشوبها غل أو حسد ،ولا يعمرها غير المحبة والود .
ذلك هو شأن الناس في الدنيا ،سواء فيهم المؤمنون والعصاة . فما تخلوا قلوبهم في كثير من الأحيان من أوضار الحقد أو الحسد مما يقع بينهم من خلافات وزلات تفضي في الغالب إلى شحن القلوب بالغل والاضطغان .وذلك هو ديدن الإنسانية ذات المركبات المفترقة والمتكاملة .ومن بين ذلك قابلية الإنسان للكراهية واحتمال الضغن على أخيه المسلم لما يلقاه منه من إساءات ينفر منها طبعه فيحمل له من أجل ذلك الغيظ والحقد .وهذه حقيقة تنسحب على الناس جميعا إلا الرفافين المخبتين الأبرار الذين أوتوا من جمال الطبع ونصوع الفطرة وبساطة العريكة ورقتها ما يجعلهم في غاية التسامح والصبر .
أما المؤمنون في الجنة يوم القيامة لا جرم تتبدل طبائعهم وأخلاقهم وسجاياهم غير ما هي عليه ؛ليتحولوا بذلك إلى أناسي من صنف مبرأ طاهر جديد ،سالم عن عيوب النفس وأدران الطبيعة التي كانوا عليها في الدنيا .وبذلك ينزع الله من قلوبهم الغل نزعا كيلا يبقى بعد ذلك غير المودة والتآلف والانسجام الكامل .قال علي كرم الله وجهه في هذا الصدد: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ؛أي ممن تعنيهم الآية .
قوله: ( إخوانا على سرر متقابلين ) ( إخوانا ) ،منصوب على الحال من ( المتقين ) أي يكونون في الجنة على أحسن هيئة وخير حال من التآخي والتواد فيما بينهم وهم قاعدون على الأسرة ( متقابلين ) يقابل بعضهم بعضا يتشاطرون فيما بينهم الحديث الكريم الودود في غاية من الأنس والرضا .