قوله: ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) الله يرسل رسله لعباده ليبشروا أهل الإيمان والصلاح فيهم برحمة منه تغشاهم في الدنيا والآخرة ،وينذروا المكذبين والعصاة ما سيبوءون به من الهلاك والخسار وسوء المصير .
قوله: ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ) ( الحق ) ،يراد به ههنا الإسلام أو النبوة .ويدحضوا ،من الإدحاض وهو الإزلاق .دحضت حجته ؛أي بطلت{[2838]} .
والمعنى ،أن المشركين والمكذبين يخاصمون خصامهم العنيد الفاجر ،وهم إنما يحاجّون بالباطل ؛إذ يصطنعون الحجج الفاسدة والأقاويل الضالة على سبيل المكابرة والمعاندة والتحدي ،كقولهم للنبيين: ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) .أو سؤالهم عن فتية ذهبوا في أول الدهر ولم يظهر أمرهم ،وعن الروح ،ونحو ذلك من الأسئلة التي يصطنعها الجاحدون في معرض التكلف والمشاقة والحذلقة .ذلك كله ( ليدحضوا به الحق ) أي ليبطلوا هذا الدين بمجادلاتهم وخصاماتهم ويذهبوا به إذهابا .
وذلك هو ديدن المكذبين والجاحدين في كل زمان ؛إذ يصطنعون المجادلات والخصامات والشبهات المكذوبة لينفروا البشرية من تعاليم الإسلام ،وليثيروا في الأرض الشكوك والكراهية لهذا الدين العظيم .
قوله: ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) ما ،مصدرية ،وهي في موضع نصب لأنها معطوفة على ( آياتي ) .وتقديره: واتخذوا آياتي وإنذاري إياهم هزوا .فهزوا ،منصوب لأنه المفعول الثاني لقوله: ( واتخذوا ){[2839]} أي اتخذوا آيات الله وهي القرآن وما أنذروا به من الوعيد بالعذاب يوم القيامة ( هزوا ) أي موضع سخرية واستهزاء .
وكذلك يفعل المكذبون والمجرمون والجاحدون في كل زمان ؛إذ يسخرون من آيات الله وحججه وأحكامه ومواعظه بعد أن يثيروا من حولها الأباطيل والأقاويل الظالمة المفتراة ليزهد الناس في دين الله وليرتد المسلمون عن دينهم الحق شر ارتداد{[2840]} .
وكيفما تمالأت قوى الشر والطغيان على الإسلام أو ائتمر به المجرمون والطواغيت ليكيدوا له أشنع كيد بمختلف الأسباب والأساليب ؛فإن دين الإسلام لا جرم ظاهر على الدين كله ،وأنه لا محالة منصور بعون الله القادر القاهر ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .