فاستجاب الله لهم الدعاء وامتنّ عليهم أن كتب لهم النصر ،فهزموا أعداءهم بجحافلهم الكثيرة ،وعلى رأسهم قائدهم القوي جالوت الذي انبرى له داود عليه السلام فقتله .وفي ذلك قال سبحانه: ( وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) أي بعد أن تم لداود قتل جالوتَ جعله الله من بعد طالوت ملكا على البلاد ،وأوحى إليه ليكون نبيا ورسولا ،وبذلك فقد أوتي داود الملك والنبوة ،وعلمه الله من علمه ما يشاء .
وقوله: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) ( لولا ) أداة امتناع لوجود .( دفع ) مبتدأ مرفوع ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة .وخبر المبتدأ محذوف تقديره موجود .و ( الناس ) مفعول به للمصدر ( دفع ) .( بعضهم ) بدل من الناس ،والهاء في محل جر مضاف إليه .
وأما المعنى المقصود بالآية فهو موضع تفصيل للعلماء والمفسرين .فقد قيل: إن المعنى: لولا أن الله يدفع بمن يصلّي عمن لا يصلّي وبمن يتقي عمن لا يتقي لهلك الناس بذنبهم .
وقيل: لولا دفاع الله المؤمنين الأبرار عن الفجّار والكفار لفسدت الأرض ،وفسادها هلاكها ،واستند القائلون بذلك إلى ما روي عن النبي ( ص ) قوله:"إن الله ملائكة تنادي كل يوم: لولا عباد ركّع ،وأطفالٌ رضّع ،وبهائمُ رتّع لصُبّ عليكم العذاب صبَا ".وغير ذلك من أحاديث تحمل مثل هذا المعنى .
وقيل: لولا الله يدفع عن قوم بآخرين كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا ،والذي نختاره ونرجحه ما ذكر عن ابن عباس في تأويل هذه الآية إذ قال: ولولادفع الله العدو بجنوده المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخرّبوا البلاد والمساجد .
ومما هو معلوم أن الله شرع القتال ؛لإظهار الحق وإزهاق الباطل ،وليجعل منه وسيلة إحقاق للعدل وترعيب للظالمين والمشركين الذين يعتدون على الله في دينه وشرعه وحدوده ؛ولذلك قال سبحانه معقبا بعد أن قرر تشريع القتال ؛كيلا يستشري الباطل والشر وتفسد الأرض: ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) لله المنّة والفضل أن شرع للمؤمنين القتال ،ليرسخوا قواعد الحق والخير والعدل في الدنيا ،وليجتثّوا من هذه الأرض كل أسباب الشر والفساد ،ولكي يأتوا على المجرمين والأشرار الذين لا يجدي معهم غير سبيل القوة والعنف والتدمير .