{ فهزموهم بإذن الله} أي فاستجاب لهم ربهم ما سألوا ببركة التوجه إليه وتذكرهم ما يؤمنون به من قوته التي لا تغالب فهزموهم أي كسروهم كسرة انتهت بدفعهم من المعركة وهربهم منها بإرادته المنفذة لسنته في نصر المؤمنين الصابرين الثابتين ، على الكافرين{ وقتل داود جالوت} قالوا إن جالوت جبار الفلسطينيين طلب البراز فلم يجرؤ أحد من بني إسرائيل على مبارزته حتى إن طالوت جعل لمن يقتله أن يزوجه ابنته ويحكمه في ملكه ، ثم برز له داود بن يسي وكان غلاما يرعى الغنم ولم يقبل أن يلبس درعا ولا أن يحمل سلاحا بل حمل مقلاعه وحجارته ، فسخر منه جالوت واحتمى عليه إذ لم يستعد له ، وقال هل أنا كلب فتخرج إلي بالمقلاع ؟ فرماه داود بمقلاعه فأصاب الحجر رأسه فصرعه فدنا منه فاحتز رأسه وجاء به فألقاه إلى طالوت فعرف داود وكان له الشأن الذي ورث به ملك إسرائيل كما قال تعالى:{ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} فسروا الحكمة هنا بالنبوة والأظهر عندي أن تفسر بالزبور الذي أوحاه الله إليه كما قال في آية أخرى:{ وآتينا داود زبورا} ( النساء:164 ) وبه كان نبيا ، وأما تعليمه مما يشاء فهو صنعة الدروع كما قال تعالى في سورة الأنبياء:{ وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون} ( الأنبياء:8 ) ؟
ثم بين تعالى حكمة الإذن بالقتال الذي قررته الآيات فقال:{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} قرأ نافع"دفاع الله "والباقون"دفع الله "أي لولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق وأهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها .لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض وبغوا على الصالحين وأوقعوا بهم ، حتى يكون لهم السلطان وحدهم ، فتفسد الأرض بفسادهم ، فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين ، أن أذن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض ، بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين ، فأهل الحق حرب لأهل الباطل في كل زمان ، والله ناصرهم ما نصروا الحق وأرادوا الإصلاح في الأرض .وقد سمي هذا دفعا على قراءة الجمهور باعتبار أنه منه سبحانه ، إذ كان سنة من سننه في الاجتماع البشري ، وسماه دفاعا في قراءة نافع باعتبار أن كلا من أهل الحق المصلحين وأهل الباطل المفسدين يقاوم الآخر ويقاتله .
/خ252