قوله تعالى:{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( 49 ) قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ( 50 ) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}
استنكر فرعون إيمان السحرة وخرورهم ساجدين لله مؤمنين منيبين ،فغشيه بسبب ذلك من التغيظ والغضب ما غشيه حتى أخذ يقرّعهم تقريع الأحمق المأفون ،الذي يهذي من غير حجة ولا منطق ،لأنهم آمنوا من غير أن يستأذنوه .وهو قوله:{آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} كان هذا الشقي المتجبر يفيض طبعه فظاظة وشقاوة وكبرا .وكان لفرط اغتراره واستكباره وخيلائه يعجب أن يؤمن أحد من قومه دون الرجوع إليه ؛فهو يعجب في لجوج وغرور من إيمان القوم قبل أن يأذن لهم لذلك .فراح بذلك يزجرهم ويقرعهم{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} أي إنما فعلتم ذلك عن مواطأة بينكم وبين موسى وهو رئيسكم في السحر وهو الذي علّمكم صنعة السحر .ثم راح يتهددهم متوعدا أن ينزل بهم العقاب الأليم .وهو قوله:{فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} والقطع من خلاف ،معناه قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى .أما الصلب فهو مصدر صلب يصلب صلبا ،وأصله من الصليب وهو الودك ،أي دسم اللحم .والصلب هو قتلة معروفة ،مشتق من ذلك ؛لأن ودك الثقيل المصلوب وصديده يسيل{[3374]} .