طغى طغيان فرعون ، وظهر حمقه ، فبدل أن يذعن للحكم الذي اختاره ثار عليهم وقال:
{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( 49 )} .
داهية نزلت بألوهية فرعون ، وتأثيره في قومه ، وبطلان حجته في رد موسى أمام حشد مجتمع ، من مدائن مصر كلها ليشهدوا نصرته ، فشهدوا بطلان حجته ، وهزيمته ، فاستخدم الطغيان ليحول الأذهان ، ولتكون رهبته محل حجته{ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} إذا جعلنا همزة استفهام ، في القول ، وإذا لم يكن استفهام يكون ذكر الإيمان قبل الإذن منه ، هو الاستنكار ، كأنه ملك قلوبهم وأجسادهم وخواطرهم ونوازع نفوسهم ، وهذا شأن كل جبار متحكم ، كأنه ملك الأفئدة والعقول والنفوس ، لأن الذين حوله يوزعون له بذلك ، وبأن هذا حق الله فرضته الطاعة ، ثم الألوهية الباطلة ، وقوله تعالىلهأي مذعنين خاضعين له .
ولم يفرض أنه الحق بموجب علمهم ، وتفريقهم بين باطل السحر ، ومعجزة الحق ، بل فرض أنه كبيرهم الذي علمهم السحر وليموه على الناس ، فقال إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ، فأنتم تتبعون معلمكم ولا تتبعوني .
ثم انتقل من التضليل إلى التهديد كشأن الطغاة دائما إذا ما حل بهم الدليل يسترون عجزهم بالتهديد ، فيقول:{ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، واللام تفيد توكيد التهديد ، وسوفلبيان تأكيد العلم في المستقبل ، وهو علم معاينة لا علم إخبار ، ولذا ذكر ما هدد به نافذا واقعا{ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ} أي:يد من جانب ، ورجل من جانب ،{ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} إن التصليب يكون مقارنا للقتل ، فكأنه هددهم بأمور ثلاثة أولها التعذيب بقطع الأيدي والأرجل من خلاف ، وثانيهاالقتل ، وثالثهاالتصليب ، ليكونوا عبرة لغيرهم ، إذ هم أول من شقوا عصا الطاعة ، ونبذوا ألوهيته وراء ظهورهم .