قوله:{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ} خرج موسى من مصر بنفسه ودينه فرارا من القوم الظالمين ،ومتوجها نحو مدين وهو لا يملك من متاع الدنيا شيئا .فليس معه زاد ولا راحلة ولا حذاء ولا درهم ولا رغيف ؛بل خرج وحيدا فريدا خائفا يتلفت ذات اليمين وذات الشمال ،مترقبا ما قد يحصل له من المكاره في الطريق التي لا يعرفها وهو يتضرع إلى الله قائلا{عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ} فقد فوّض أمره إلى الله وتوكل عليه مؤملا أن يدله على السبيل المؤدية إلى مدين .وقد ذكر أن الله بعث إليه ملكا راكبا فرسا وقال له: اتبعني ،فاتبعه موسى ،فهداه إلى الطريق .وذلك فضل من الله ورحمة يمنّ بهما على عباده المؤمنين المخلصين الصابرين إذا أحاطت بهم الأهوال والخطوب ،وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ،وأطبقت عليهم مكائد المجرمين الظالمين ومؤامراتهم ؛فإن الله لا يخذل عباده المؤمنين الأوفياء ،بل ينجيهم ويثبتهم ويكتب لهم السلامة والأمان ويذيقهم من لدنه حلاوة السكينة والرضى وبرد اليقين{[3488]} .