وقوله: ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ) ( لم ) ،أصلها لما ،لأن ما استفهامية دخلت عليها اللام فحذفت الألف لطلب الخفة{[490]} .هذا خطاب يحمل في مضمونه توبيخا لأهل الكتاب لجحودهم وسوء نواياهم وذلك على نحو من الاستفهام الإنكاري ،فأهل الكتاب ينكرون ويجحدون آيات الله وهم على ذلك شهود .والمراد بآيات الله التي وبخهم الله على إنكارها هي الآيات الواردة في التوراة والإنجيل والتي تتضمن جملة أخبار وحقائق منها: البشارة بمحمد صلى الله عليه و سلم ،ومنها: أن خليل الله إبراهيم كان حنيفا مسلما .ومنها أن الدين لهو الإسلام .
وقيل: المراد بآيات الله القرآن الكريم نفسه .هذا الكتاب العظيم الحكيم الحافل بالمعاني وظواهر الإعجاز .كل هذه الحقائق الباهرة كان أهل الكتاب يعلمون بها ؛إذ قرأوها في كتبهم واستيقنوها لكنهم أنكروها إنكارا .ولا يحفزهم إلى مثل هذا الإنكار الظالم غير الحقد والحسد .لا جرم أن هذه خسيسة من خسائس الطبع المريض .الطبع الموغل في ظلام الباطل والذي لا يستمرئ غير الرذيلة والفساد ،ولا يتمل بذاته الملتوية غير سبيل الشر والعدوان .سبيل الشقاء والشيطان .