قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفذ بخطابه إلى قلوب السامعين لعلهم يتدبرون ويدّكرون أو يحدث لهم ذلك ذكرا وموعظة ،والخطاب النافذ إلى أعماق النفس بأسلوب مؤثر نفّاذ ربما لامس شغاف القلب فاسترعى فيه من مكنونات الفطرة الراقدة ما يبعث على التململ والحركة واستجاشة الضمير كيما يفيق ويَرِفّ ويهتف بكلمة الحق والصدق .
وهذه الآية ضرب من النمط القرآني النفّاذ الذي يلامس أهداب الفطرة ويهتف الضمير ليصدع بمقالة اليقين ظاهرة مكشوفة ،ومن هنا يأمر الله رسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه المشركين المكذبين:{إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي أُذكِّركم بكلمة واحدة وهي طاعة الله ،وقيل: بخصلة واحدة ،وهذا القول أظهر فقد بيَّنه بقوله:{أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} في موضع جر ورفع ؛أما الجر على البدل من قوله:{بِوَاحِدَةٍ} وتقديره: إنما أعظكم بأن تقوموا لله مثنى وفرادى .وأما الرفع فهو على أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ،وتقديره: وهي أن تقوموا لله{مَثْنَى وَفُرَادَى}{[3826]} أي اثنين اثنين ،وواحدا واحدا .أو أن يقوم الرجل منكم مع آخر فيتصادقان فيما بينهما على الحديث ،هل علمتم بمحمد أيَّما جنون أو من أحواله وسيرته وسلوكه أيَّما فساد ،أو علمتم أنه تعلَّم السحر من أحد فيكون ساحرا ،أو تعلَّم الكهانة من الكهان فيكون كاهنا ،أو أنه تلقى العلوم من أهل العلم ،أو أنكم قدرتم على معارضته في سورة واحدة ،فإذا تبين لكم خلاف ذلك كله أفلا تعلمون إذن أنه صادق ،وتستيقنون أنه نبي مرسل من ربه ؟
وهو قوله:{إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يعني: ما محمد صلى الله عليه وسلم إلا رسول مبعوث من ربه إليكم ليبلغكم دعوة الله ويحذركم بطش ربه وعقابه قبل أن يحيق بكم .{[3827]}